توقيت القاهرة المحلي 07:05:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن الحروب والديون والعملة «الصعبة» (4)

  مصر اليوم -

عن الحروب والديون والعملة «الصعبة» 4

بقلم د. محمود محيي الدين

رغم تراجع معدلات التضخم العالمية هذا العام إلى أقل من 7 في المائة، بعدما اقتربت من 9 في المائة العام الماضي، وتوقع انخفاضها إلى أقل من 6 في المائة في العام المقبل، فإنه من غير المرجح أن تتراجع أسعار الفائدة لمستوياتها التي اعتاد صناع القرار وعموم الناس عليها قبل موجة ارتفاعاتها الأخيرة. ستنخفض فعلاً أسعار الفائدة خشية الوقوع في حلقة من الركود أفلتت منه الاقتصادات الكبرى هذا العام بزيادة معدلات النمو عن توقعاتها، ولكنها ستستمر مرتفعة لفترة طويلة بعد ما شهده الاقتصاد الأميركي والأوروبي من معدلات تضخم أرجعت الذاكرة إلى موجات انفلات الأسعار منذ 40 سنة مضت، وعلى البلدان النامية أن تتعايش مع حالة لأسعار الفائدة ومن ثم تكلفة تمويل «أعلى لفترة أطول»، بعدما انخرط كثير منها في التوسع في الاقتراض الدولي من دون حسبان لمخاطر صدمات تغير الفائدة وأسعار الصرف عند اقتراضها بالعملة الصعبة.

فوفقاً لـ«أنكتاد» زادت الديون العامة من 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية في عام 2010 حتى تجاوزت 60 في المائة في عام 2021، كما ارتفعت الديون الخارجية من أقل من 20 في المائة إلى نحو 30 في المائة خلال الفترة ذاتها. وجعل ذلك الدول المستدينة عرضة لمخاطر تقلبات أسعار الفائدة والتغيرات المفاجئة في أسعار صرف العملات. ثم جاءت ردود أفعال البلدان المتقدمة في تعاملها مع الجائحة، بين عامي 2020 و2022، بين تيسير نقدي مفرط وكأنها تسقط بنكنوت المطابع المتدفق من مروحيات دون حساب، ثم ترددت بنوكها المركزية في احتواء آثارها التضخمية بعد حيرة منها في طبيعة التضخم المتزايد: هل هو مؤقت زائل بطبيعته، أم يحتاج إلى تدخل صارم؟ فلما تبين لها أن التضخم من النوع الأخير سارعت بعد إبطاء مكلف فرفعت أسعار الفائدة في وثبات متتالية. فارتبكت بذلك السياسات النقدية في بلدان نامية بعد فترة اعترتها هي أيضاً من الالتباس والشك حول توجهات أسعار الفائدة العالمية والصرف.

وألقت التغيرات المفاجئة في الاقتصاد الدولي بأعبائها على أسواق المال والاستثمار؛ فأمست التدفقات المالية إلى الدول النامية والأسواق الناشئة بين تقلب وتراجع، ومد وجزر سريعين للأموال الساخنة والهائمة. وتعقدت عملية إدارة الديون وتمويل برامج النمو والتنمية. فكان من الواجب أن تتخذ الإدارة الاقتصادية التدابير اللازمة للتوقي من مخاطر الصدمات القصيرة الأجل، وبخاصة في الدول ذات صافي أصول أجنبية منخفض، والتي تحسب ببساطة بخصم الديون الخارجية من رصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي.

ونشارك رأي الاقتصادي المرموق بجامعة هارفارد، كينيث روغوف، المؤلف المشارك للمرجع المهم عن تاريخ الديون في 8 قرون، أن عوامل الإبقاء على الارتفاع النسبي لأسعار الفائدة العالمية أكبر من تخفيضه للمستويات السابقة التي اعتادها العالم لسنوات في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008. وحتى بعد تخفيضات قد تطرأ على أسعار الفائدة استجابة لمخاوف الركود في الاقتصادات الكبرى أو لضغوط سياسية مصاحبة.

ومن العوامل المسببة للارتفاع: تضخم الديون، وارتفاع نفقات التسليح والدفاع وانعكاسات بعض سياسات التحول الأخضر، وسياسات الدعم، وانعكاسات ذلك كله على الموازنات العامة. وسيكون لذلك تأثيراته على الشركات المستدينة في الدول المتقدمة وقطاعاتها العقارية التجارية التي ما زالت تراهن على انفراجة قد لا تتحقق في أعقاب عام 2025.

ولهذا كله تداعيات على السياسات الاقتصادية في عالم الجنوب، بعدما اشتعل التضخم في كثير من أقطاره، ومنها من تراود صناع سياساته احتمالات العودة المبكرة للاقتراض الرخيص، وأن يسترد ما تطاير وتبخر من أموال هائمة وساخنة التي كانوا يعدونها خطأ من جملة الاستثمارات، وهي في حقيقتها ديون قصيرة الأجل، فيثبِّتون بها أسعار الصرف افتعالاً، ويتباهون باستقدامها كأنها من إمارات النجاح، حتى أتت ساعات الحساب العسير بتداعيات على الاستقرار الاقتصادي لا تلتئم إلا بعد إصلاحات مكلفة.

ويجدر بصناع القرار في هذه البلدان أن يستأنسوا بأسس السياسة العامة للاقتصادي الهولندي جان تينبرغن، وهو من أوائل الحاصلين على «جائزة نوبل»؛ حيث فرَّق في كتابه الشهير الصادر عام 1952 عن السياسة الاقتصادية، بين أهدافها وإجراءاتها. ووفقاً لهذه الأسس فهناك فضل في استهداف التضخم على استهداف سعر الصرف. وقد تحقق لكثير من البلدان النامية والمتقدمة مكاسب في الاستقرار النقدي، ودفع الاستثمار ومن ثم النمو الاقتصادي المطرد، شرحها كاتب هذه السطور في 2004 كإطار للسياسة النقدية، يتطلب فيما يتطلبه تنسيقاً مؤسسياً بين السياسات المالية العامة والنقدية، واستقلالاً للبنوك المركزية، وإحكاماً في زيادة عرض النقود، وكفاءة في استخدام الإجراءات النقدية، بخاصة أسعار الفائدة، وانضباطاً في سوق النقد الأجنبي، وتواصلاً مستمراً ومتقناً مع أطراف الاقتصاد، وتوضيحاً لمستجداته مع عموم الناس. فإذا ما اكتسب إطار استهداف التضخم مصداقيته تتحقق أهداف الاستقرار النقدي، وتبدأ الاستثمارات والتحويلات في التدفق، ويتيسر للمنتجين والمصدرين والمستوردين تسعير منتجاتهم وإدارة أنشطتهم ومخاطرها وعوائدها بكفاءة، بتجنيبهم التعرض لظروف اللايقين والغموض التي تقوض الثقة.

ومع ازدياد تقلبات أسعار الصرف العالمية، واتجاه أسعار الفائدة للاستمرار في مستويات مرتفعة، تزداد الحاجة إلى تفعيل إطار استهداف التضخم الذي تبنته بلدان متقدمة ونامية مختلفة، فحقق لها -بعد عمل شاق سنوضحه في مقال قادم- ما تطلعت إليه من استقرار في عالم تتنازعه مسببات متنوعة للاضطرابات والأزمات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الحروب والديون والعملة «الصعبة» 4 عن الحروب والديون والعملة «الصعبة» 4



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon