توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن سواكن الطبقة الوسطى وهواجسها

  مصر اليوم -

عن سواكن الطبقة الوسطى وهواجسها

بقلم - محمود محيي الدين

الانتماء إلى الطبقة الوسطى هو حلم الفقراء سعياً للانفلات من مخاوف العوز ومكاره إهدار الكرامة على أعتاب مقدمي الإعانات. كما أن الانتماء إلى الطبقة الوسطى يفضله كثير من الأثرياء تواضعاً، أو إشارة إلى عصاميتهم صعوداً إلى شرائح الدخل الأعلى، أو اتقاءً لسهام النقد والتساؤلات، وتربّص بعض السلطات. وتجد الطبقة الوسطى حافظة لقيم الاستقرار والمنافسة، والتمسك بالرغبة في التعلم والتثقف، وحامية للمجتمع من الدخائل على أنماط حياته وتهيئ له مقومات التقدم.

وفي كتابه الموسوعي عن تاريخ الطبقة الوسطى يصفها المؤرخ البريطاني لورنس جيمس بالبراغماتية والقدرة على المواءمة والتعايش، وأن هذه الطبقة مجتمعة تمثل مشروع وعبقرية الأمة التي تنتمي إليها. فأفرادها يدركون ما هو الواجب عليهم فعله ويسعون جهدهم لتحقيقه. ومن ثم يتوقعون من الدولة حمايتهم وصون ممتلكاتهم وضمان حرياتهم في الحراك لأعلى حيثما يقودهم طموحهم وتمكنهم مؤهلاتهم دون عائق، ومن هنا يأتي اهتمامهم بتعليم الأبناء سعياً لمستقبل أفضل مما حققه لهم آباؤهم.

وقد اعتاد بعض الباحثين على تعريف الطبقة الوسطى اكتفاءً بالدخل لسهولة الحصول على بياناته، بينما اعتمد باحثون آخرون على مؤشرات مركبة لتحديد الطبقة الوسطى يصعب توفير بيانات عنها بشكل منتظم. وسأعتمد هنا أسلوباً عملياً في تعريف الانتماء إلى الطبقة الوسطى باعتبار ما يتفق عليه عموم الناس من خلال استطلاع رأيهم عما يجعلهم من هذه الطبقة.

وفي مسح إحصائي، أجرته صحيفة «واشنطن بوست» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على 1280 أميركياً، كان تعريفهم لخصائص هذه الطبقة وفقاً لستة معايير: فأكد 93 في المائة من المستطلع رأيهم على أهمية وجود دخل من عمل منتظم، 91 في المائة ذكروا القدرة على الادخار للمستقبل، 90 في المائة أشاروا إلى القدرة على دفع كل الفواتير الشهرية دون قلق، 90 في المائة منهم نوهوا عن إمكانية تدبير 1000 دولار للطوارئ دون اللجوء إلى الاقتراض، 89 في المائة منهم زكّوا التمتع بتغطية تأمين صحي، بينما أشار 87 في المائة منهم إلى القدرة على التقاعد عن العمل دون شقاء. ثم تلى هذه المعايير أهمية خمسة أخرى: فأشار 73 في المائة إلى تضمن العمل إجازة مرضية مدفوعة الأجر، 67 في المائة ذكروا أهمية أن تكون هناك إمكانية مادية لقضاء إجازات، 60 في المائة أعربوا عن أهمية امتلاك مسكن، 46 في المائة ذكروا القدرة على تناول الطعام في مطعم وقتما يريدون، بينما أشار 31 في المائة إلى ضرورة الحصول على درجة تعليم عليا.

ووفقاً لهذا الاستطلاع وباعتبار تكلفة المعيشة، فالأميركيون يعتبرون أن أسرة من 4 أفراد ذات دخل يتراوح بين 75 ألفاً و100 ألف دولار سنوياً هي أسرة متوسطة الدخل.

ونستخلص أن فهم عموم الناس في الولايات المتحدة للانتماء للطبقة الوسطى يرتبط بتوفر ضمانات الاستقرار المعيشي اللائق في الحاضر والاطمئنان على مستوى معيشة مُرضٍ لهم في المستقبل. وقد أظهر الاستطلاع أن 35 في المائة فقط من الأميركيين حظوا فعلاً بتوفر المعايير الستة الأولى لديهم لتحقيق الانتماء للطبقة الوسطى. وأن من أكبر الهواجس هو تأمين فترة تقاعد مريحة، حتى بافتراض تحقيق مدخرات بسبب تغيرات سياسات الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي على مدار العمر المتوقع بعد التقاعد.

وفي استطلاعات للرأي في اليابان في فترة النمو المطرد في السبعينات والثمانينات، كان الرد السائد عند سؤال الشباب عن طموحهم في المستقبل، هو أن يكونوا ببساطة مثل سائر الناس. فقد كانت اليابان تعرف وقتئذ بمجتمع يفتخر 90 في المائة منه بانتمائه للطبقة الوسطى. ولكن في استطلاعات أحدث للرأي أجراها معهد اليابان لسياسات العمل والتدريب جاءت النتائج تعكس ما جرى للطبقة الوسطى بعد عقود عدة من النمو المنخفض والتراجع الاقتصادي. وعرّف 60 في المائة من المستطلع رأيهم الانتماء إلى الطبقة الوسطى بتمتعهم بعمل منتظم وامتلاكهم سكناً وسيارة خاصة.

وذكر 56 في المائة منهم أنهم يعيشون في مستوى معيشة أقل من الطبقة الوسطى، و6 في المائة أكدوا أنهم يتمتعون بمستوى أعلى، بينما ينطبق التعريف البسيط الذي اختاروه للطبقة الوسطى على 38 في المائة فقط. بما يعني أن الطبقة السائدة في المجتمع وفقاً لهذا الاستطلاع لم تعد الطبقة الوسطى. فتحقق افتراض الحصول على عمل منتظم لم يعد الدخل المتحصل منه كافياً للحفاظ لصاحبه على مستوى معيشة الطبقة الوسطى أو يوفر له ضماناً للمستقبل. فكان رأي 41 في المائة من العاملين بدخول منتظمة أنهم يلبّون طلبات معيشتهم بالكاد، وذكر 11 في المائة عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الحياة رغم عملهم بانتظام.

يؤثر هذا الوضع سلباً على قدرة العاملين على الاستهلاك ويخفض معدلات الإنجاب في دولة تميل فيها التركيبة السكانية إلى الشيخوخة مع تراجع الإنتاجية والتنافسية، كما يهدد الاستقرار المجتمعي بزيادة حالة الإحباط وفقدان الرغبة في العطاء. وكانت توصية الخبراء للحكومة بالتعاون مع أرباب الأعمال والعاملين أنفسهم لسرعة اختراق هذه الدائرة المخيبة للآمال، بمراجعة مخصصات الأجور، وزيادة البرامج المخصصة لتحسين مهارات العاملين، وتطوير نظم الضرائب والمعاشات والضمان الاجتماعي لتحفيز سوق العمل.

في خلال الفترة الممتدة من قبل سقوط حائط برلين بسنوات قليلة حتى الأزمة المالية في 2008 حدثت تغيرات حادة في توزيع الدخول حول العالم بصعود لطبقات وسطى طموحة في الدول مرتفعة النمو وأهمها الصين وجوارها في شرق آسيا، ثم تبعتهم الهند. بينما تعرضت الطبقة الوسطى في الغرب إلى ضغوط وتراجع في تنافسيتها النسبية، وارتفعت حدة تفاوت الدخول بين الأغنى والأفقر. وتوالت الصدمات مصحوبة بتهافت السياسات وضعف المؤسسات في بلدان نامية عدة خاصة مرتفعة المديونية منها فاعتصرت الطبقة الوسطى بضربات متلاحقة بين معضلات الأزمات وتكاليف الإصلاح.

وفي مقال قادم سأستعرض تبعات هذه التغيرات الحادة وسبل التعامل معها، فمساندة من يعانون فقراً مدقعاً قديم الجذور يختلف بالضرورة عن سبل انتشال حديثي السقوط في هوة الفقر، والأوْلى استنقاذهم منها قبل السقوط، وقديماً أوصى العرب برحمة غني افتقر وعزيز ذل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن سواكن الطبقة الوسطى وهواجسها عن سواكن الطبقة الوسطى وهواجسها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon