توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن بشائر الذكاء الاصطناعي ونُذره

  مصر اليوم -

عن بشائر الذكاء الاصطناعي ونُذره

بقلم - محمود محيي الدين

في خلال السنوات الماضية، كانت تطورات الذكاء الاصطناعي تأتي في إطار تحليل متطلبات ما تُعرف بالثورة الصناعية الرابعة وآثارها، ولكن بعد تسارع تطبيقاته في التأثير المتزايد في مضامير السلم والحرب والتنمية والتدمير، انصب الاهتمام مؤخراً على الذكاء الاصطناعي كثورة غير مسبوقة الآثار في حد ذاتها. فقبل الذكاء الاصطناعي كانت الآلة مجرد معين على إنجاز العمل بتكرار مهام محددة بحجم أضخم وسرعة أكبر. أما بعد الذكاء الاصطناعي فقد اكتسبت الآلة قدرات على الإدراك والتعلم والتصرف محاكية البشر.

نحن بصدد نقلة نوعية من عمليات نمطية للميكنة والأتمتة بإعادة الإنتاج وزيادة الإنتاجية، إلى الارتقاء باستحداث مكونات وإنتاج مبتكرات واقتراح علاجات وسبل للتطوير.

ولا يتوقف نطاق تأثير الذكاء الاصطناعي عند سوق العمل؛ بل يمتد إلى الأمن والسياسة ونظم الحكم واختيار الحكام والثقافة العامة. وعرضتُ في مقال سابق أنَّ الخطر الأول -وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي- هو المعلومات المضللة والكاذبة ودور الذكاء الاصطناعي فيها، بانتحال الصفات، وسرقة الهويات، والتلاعب في المعلومات، واختراق نظم اتخاذ القرار المؤثرة في الاقتصاد والسياسة والأمن والمجتمع.

كما عقَّد الذكاء الاصطناعي من حماية الأمن السيبراني ونظم المعلومات المتحكمة في مرافق حيوية، كالمياه والكهرباء والطاقة وقطاعات المال والنقل، وغيرها. وفي كتاب عن القوة في زمن الذكاء الاصطناعي، صدَّره مؤلفه بول شار، خبير الدفاع في «البنتاغون» الأميركي، بمقولتين: الأولى مقتبسة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ليس فقط لروسيا ولكن لكل البشرية. فهو يأتي بفرص عظيمة، وأيضاً بتهديدات يصعب التنبؤ بها. من سيقود هذا المضمار سيصبح حاكماً لهذا العالم»، والثانية من الرئيس الصيني، ونصها: «العلم والتكنولوجيا أصبحا ساحة المعركة للقوى العالمية المتنافسة».

وفي مجال الاقتصاد، تبارت التقارير والدراسات الدولية في استكشاف الآثار المرتقبة للذكاء الاصطناعي التي تكاد تُجمع على آثاره الإيجابية على زيادة الكفاءة الإنتاجية وتخفيض النفقات بما يزيد من معدلات النمو والثروات، مع تأثيرات سلبية على توزيع الدخول. وأصدر صندوق النقد الدولي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي دراسة عن أثر الذكاء الاصطناعي على أسواق العمل. ومن نتائجها أن 60 في المائة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة متعرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي، بينما كانت هذه النسبة 40 في المائة في الدول ذات الأسواق الناشئة، و26 في المائة في الدول الأقل دخلاً. أي أن الدول النامية أقل عرضة لمربكات الذكاء الاصطناعي بمنافعها ومثالبها. ووجدت الدراسة أنَّ التأثير الإيجابي، من خلال زيادة الإنتاجية، يكاد يتعادل مع التأثير السلبي على سوق العمل بتعرض وظائفه للاختفاء أو تناقص الطلب عليها.

والأمر يتوقف على مدى استعداد الدول للذكاء الاصطناعي وفقاً لأربعة عوامل تتمثل في البنية الأساسية الرقمية، ورأس المال البشري وسياسات التشغيل، والابتكار والاندماج الاقتصادي، والقواعد الرقابية والأخلاقية والحوكمة. وبتطبيق تصنيف قياسي لاستعدادات الذكاء الاصطناعي على 125 دولة، جاءت سنغافورة في المقدمة، ثم الولايات المتحدة والدنمارك واليابان وبريطانيا.

وفي تعليق على مصادر النمو المحتمل في الولايات المتحدة، لم يجد الاقتصادي روبرت هوبارد، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين السابق للرئيس الأميركي، مصدراً للتفاؤل بالنمو في بلاده إلا من امتلاكها متطلبات الذكاء الاصطناعي. وهو ما يؤيده فيه الاقتصادي الحائز «نوبل» مايك سبنس في مقال مشترك نشرته مجلة «الشؤون الدولية» (فورين أفايرز) بأنَّ الذكاء الاصطناعي سيضيف 4 تريليونات دولار سنوياً للاقتصاد العالمي، بما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة بحجم ألمانيا، وأنَّ الولايات المتحدة ستجني ثماراً في زيادة إنتاجيتها بفضله مع نهاية هذا العقد، وبآثار إيجابية على جانب العرض تسهم في تخفيض التضخم. ومن الطريف أنَّ آخر مقالات هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، نُشرت في المجلة ذاتها في عدد شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مع غراهام أليسون، وكان عن الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي في سباق التسلح، وضرورة التعاون بين الولايات المتحدة والصين في منع قيام حرب عالمية ثالثة، بأسلحة أشد فتكاً ورعباً من القنبلة الذرية التي كان استعمالها في مواجهة اليابان آخر أعمال الدمار الشامل التي انتهت بها الحرب العالمية الثانية.

وتشير دراسة صندوق النقد الدولي إلى أنَّ المتعلمين تعليماً عالياً وذوي المهارة والأصغر سناً سيتمكنون من المناورة بالانتقال إلى فرص للعمل تستفيد من الفرص الإيجابية التي تتيحها ثورة الذكاء الاصطناعي، وأنَّ الضحايا سيكونون من الأقل تعلماً ومهارة والأكبر عمراً.

لا يوجد إلا طريق واحد لتسلكه بلدان الجنوب في تعاملها مع الذكاء الاصطناعي: وهو أن تكون في مقدمة الإلمام بمستحدثاته، واستغلال ابتكاراته في دفع التقدم وتحقيق أهداف التنمية، وعليها أن تتمكن من مستجداته للحفاظ على السلم، والدفاع عن مقدراتها.

وفي مقال تحت عنوان «الإقطاع الرقمي وسادة اقتصاد العالم الجديد»، نشرتُه على صفحات «الشرق الأوسط» الغرَّاء في شهر أكتوبر 2019، أشرت إلى أنَّ هناك ثلاثة أمور يمكن تبنِّيها في العالم العربي تحديداً، في إطار سياسة متكاملة للتنمية والتقدم في العصر الرقمي: الأمر الأول يتمثل في تطبيق سياسة متكاملة للبيانات وتأمينها وحماية حقوق ملكيتها، بما في ذلك حقوق الأفراد الأدبية والمالية عند استخدام بياناتهم، وتطوير نظام عام لحماية البيانات والرقابة عليها. الأمر الثاني، يتمثل في تطوير البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات من شبكات ومنصات رقمية ووسائل حفظ البيانات وتأمينها، ودعم نطاقاتها الاستيعابية وسرعاتها باستثمارات ضخمة بالمشاركة بين القطاعين الخاص والحكومي. أما الأمر الثالث، وهو الأهم والأولى، فهو الاستثمار في البشر تعليماً وتدريباً وتوعية، بهدف إتقان علوم الذكاء الاصطناعي. من دون ذلك ستأتي وتنقضي ثورات صناعية وتكنولوجية الواحدة تلو الأخرى، كما حدث من قبل، فلا يكون نصيبنا منها إلا الجدل حول حصر عددها وتأريخ آثارها، في حين تنطلق الأمم لمقاصدها قدماً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن بشائر الذكاء الاصطناعي ونُذره عن بشائر الذكاء الاصطناعي ونُذره



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon