كان من المدهش أن تأتي الإجابات خاطئة من أغلبية من تم سؤالهم عن ثلاثة عشر موضوعاً أساسياً تتعلق بتطورات اقتصادية واجتماعية، رغم وفرة البيانات وكثرتها سواء على شبكة المعلومات، الإنترنت، أو من مصادر أخرى. طُرحت الأسئلة من قبل الطبيب والإحصائي السويدي هانز روزلينج، الذي عُرف بتطويره لعروض البيانات وتحليلها باستخدام أشكال ورسوم توضيحية مبتكرة.
ربما يظن القارئ أنه قد يبلي بلاءً حسناً، مقارنةً بنحو 12 ألف شخص من 14 دولة مختلفة طُرحت عليهم هذه الأسئلة الثلاثة عشر، فكانت إجابة أغلبهم خطأً، وربما يظن أيضاً أن إجاباته ستكون أفضل من إجابات بعض المتخصصين والعاملين في منظمات دولية. وحتى نقطع الشك باليقين سنورد هذه الأسئلة الأساسية وسنجعل القارئ يُقيّم بنفسه مدى صحة إجاباته بمقارنتها بالإجابات الصحيحة. هذه المسابقة المعلوماتية البسيطة مهمة كمثال للكشف عن مدى اختلاط الحقائق بالانطباعات في عالمنا اليوم، وما لذلك من أثر في تشكيل الآراء، بل واتخاذ القرارات وتوجيه الموارد ووضع الأولويات.
ولنبدأ المسابقة على طريقة روزلينج:
السؤال الأول: في الدول منخفضة الدخل، ما نسبة الفتيات اللاتي أنهين مرحلة التعليم الابتدائي؟ أ) 20%. ب) 40%. ج) 60%.
السؤال الثاني: أين يعيش أغلبية سكان العالم؟ أ) في دول منخفضة الدخل. ب) في دول متوسطة الدخل. ج) في دول عالية الدخل.
السؤال الثالث: في السنوات العشرين الأخيرة، ماذا حدث لنسبة الأشد فقراً؟ أ) تضاعفت النسبة. ب) استقرت النسبة على ما هي عليه. ج) انخفضت نسبتهم عن النصف.
السؤال الرابع: ما العمر المتوقع حالياً عند الولادة؟ أ) 50 عاماً. ب) 60 عاماً. ج) 70 عاماً.
السؤال الخامس: هناك 2 بليون طفل يقل عمرهم عن 15 عاماً في عالمنا اليوم، فكم سيبلغ عدد الأطفال في عام 2100؟ أ) 4 بلايين. ب) 3 بلايين. ج) 2 بليون.
السؤال السادس: تتوقع الأمم المتحدة أن يزيد عدد سكان العالم بنحو 4 بلايين، فما السبب؟ أ) سيكون هناك مزيد من الأطفال تحت سن 15. ب) زيادة عدد السكان ممن يتراوح عمرهم بين 15 و74 عاماً. ج) زيادة عدد كبار السن ممن يزيد أعمارهم على 75 عاماً.
السؤال السابع: كيف تغير عدد الوفيات سنوياً بسبب الكوارث الطبيعية؟ أ) تضاعف العدد. ب) استقر العدد على ما هو عليه. ج) انخفض العدد إلى النصف.
السؤال الثامن: هناك نحو 7 مليارات نسمة يعيشون في عالم اليوم، فأين يعيشون؟ أ) مليار في الأميركتين، ومليار في منطقة شمال الأوراسيا، التي تضم أوروبا وشمال آسيا، ومليار في أفريقيا و4 مليارات في آسيا. ب) مليار في الأميركتين، ومليار في منطقة شمال الأوراسيا، وملياران في أفريقيا، و3 مليارات في آسيا. ج) ملياران في الأميركتين، ومليار في منطقة شمال الأوراسيا، ومليار في أفريقيا، و3 مليارات في آسيا.
السؤال التاسع: كم نسبة مَن تم تطعيمهم من الأطفال ضد الأمراض؟ أ) 20%. ب) 50%. ج) 80%.
السؤال العاشر: على مستوى العالم، يقضي الرجل الذي بلغ عمره 30 عاماً نحو 10 سنوات في المتوسط في التعليم المدرسي، فكم عدد السنوات التي تقضيها المرأة في ذات العمر في التعليم المدرسي؟ أ) 9 سنوات. ب) 6 سنوات. ج) 3 سنوات.
السؤال الحادي عشر: في عام 1996 صنفت الحيوانات من فصائل النمر، والباندا الكبيرة، والخرتيت الأسود، كحيوانات مهددة بالانقراض، فكم منها في وضع حرج اليوم؟ أ) اثنتان منها. ب) واحدة منها. ج) لا واحدة منها.
السؤال الثاني عشر: كم نسبة من تصلهم خدمة الكهرباء في العالم؟ أ) 20%. ب) 50%. ج) 80%.
السؤال الثالث عشر: يعتقد المتخصصون في تغيرات المناخ أنه على مدار الأعوام المائة القادمة سيكون متوسط درجة الحرارة... أ) أكثر ارتفاعاً. ب) ثابت على ما هو عليه. ج) أكثر انخفاضاً؟
انتهت أسئلة المسابقة، وهذه هي الإجابات الصحيحة كما أوردها روزلينج: 1: ج؛ 2: ب؛ 3: ج؛ 4: ج؛ 5: ج؛ 6: ب؛ 7: ج؛ 8: أ؛ 9: ج؛ 10: أ؛ 11: ج؛ 12: ج؛ 13: أ.
إذا كانت أغلب إجابات القارئ خاطئاً، فيجب ألا يبتئس كثيراً، فمتوسط من شاركوا في هذه المسابقة من قبل لم يأتوا إلا بإجابتين صحيحتين فقط. علماً بأنه من الناحية النظرية لو تمت الإجابة عشوائياً عن الأسئلة لكانت النتيجة أفضل، إذ تصل الإجابات الصحيحة إلى أربع في المتوسط من خلال تخمين الإجابة الصحيحة.
عندما اطلع روزلينج على هذه الإجابات غير الصحيحة، وغلبتها على تصورات الناس، وما تعكسه من انطباعات سلبية عن أوضاع وتطورات العالم من حولهم، حاول شرح الأسباب وراء هذه الإجابات وحصرها في عشرة دوافع. ووضع الباحث شرحه في كتاب ألَّفه مع ابنه وزوجة ابنه، اللذين أتمّا مشروع الكتاب بعد وفاته، ونشراه منذ شهور.
وخلاصة الدوافع العشرة التي تسببت في خطأ الإجابات، أن أغلب الناس ضحايا لاعتقادات وتصورات خاطئة. أول الدوافع غذَّتها فجوة المعلومات وعدم المتابعة لتغيرات مطردة قد حدثت فعلاً؛ منها مثلاً أن الواقعين تحت خط الفقر المدقع قد انخفض عددهم خلال الأعوام العشرين الماضية، لأكثر من النصف، بفضل النمو الذي شهدته اقتصادات دول مثل الصين والهند وغيرهما.
وثاني الأسباب الدافعة للإجابات الخاطئة عن الأسئلة السابقة، هي النزعة لتذكر الأمور السلبية أكثر من الإيجابية، بما يغذي التصور بأن الأمور تزداد سوءاً على خلاف الحقيقة. وثالث الأسباب، هو تصور أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية تأخذ مساراً خطياً مستقيماً. وتُظهر الأدلة تعدُّد أشكال المسارات لهذه المتغيرات بما يستوجب متابعتها بتحديث البيانات وعدم الانسياق وراء الظنون.
ورابع الدوافع هي النزعة إلى الخوف التي تجعل هناك مبالغة في تقدير المخاطر المحتملة.
ويتمثل خامس الدوافع في مشكلة التعامل مع الأحجام الضخمة من البيانات، والاستدلال بمقارنتها كأرقام مطلقة أو كنسبة من المجموع. فقد بلغ مثلاً عدد وفيات الأطفال 4. 2 مليون طفل في عام 2016، وهو رقم كبير في المطلق، ولكنه أقل بكثير عن عدد وفيات الأطفال في عام 1950 البالغ 14.4 مليون من إجمالي عدد المواليد الذي بلغ 97 مليون طفل، في حين أن إجمالي المواليد في عام 2016 قد بلغ 141 مليوناً، أي أن نسبة وفيات الأطفال قد انخفضت من 15% إلى 3% فقط، بما يُظهر تحسناً ملموساً.
والدافع السادس للوقوع في خطأ الإجابة هو التعميم ووضع الظواهر الاقتصادية والاجتماعية في قوالب نمطية، دون بذل جهد في التعرف على الخصائص المميزة لهذه الظواهر.
والدافع السابع هو استطراد للدافع السادس بافتراض نوع من حتمية المصير الذي تؤول إليها المجتمعات، كتصور أن دول أفريقيا لن ترى حظاً من التنمية، أو أن الدول الآسيوية ستظل على بعد فجوة كبيرة لا تتقلص بينها وبين دول أوروبا في مؤشرات التقدم والتنمية، وهو ما دحضه الواقع.
أما الدافع الثامن فقد ظهر جلياً في تصور من قبل البعض لحلول بسيطة لمشكلات هي معقدة بطبيعتها، أو سيطرة أحادية النظرة من جانب بعض المحللين للمشكلات بمنظور واحد رغم أن مسبباتها متعددة، أو التوصل لاستنتاجات خاطئة بافتراضات لا تعكس الواقع دائماً.
أما الدافع التاسع فيرتكن إلى الميل إلى توجيه اللوم على وقوع المشكلات إلى أفراد بعينهم أو إلى مجموعات أو شركات أو وسائل الإعلام أو إلى زيادة أعداد الأجانب، إلى غير ذلك، وقد تكون المشكلات لأسباب متعددة متداخلة. ومن زاوية إيجابية، تجد أن السياسات المتسقة والمؤسسات الكفؤة والتكنولوجيا المتطورة بها علاج للمشكلات بما يستوجب إيلاء الاهتمام بها بدلاً من إضاعة الجهد في لوم لا يجدي نفعاً.
أما الدافع العاشر، فهو التصرف برعونة مرة وبلا مبالاة مرة أخرى، من دون مراعاة لبعد الزمن فيندفع متخذ القرار في ما ينبغي فيه التروي، أو يبطئ عن التصرف المناسب في ما يستوجب السرعة والمبادرة.
وعلى الرغم من أن روزلينج قد استنتج، مستعيناً بالأدلة والبيانات، أن العالم قد شهد في الواقع تقدماً أفضل بكثير مما يتصوره عموم الناس، فهو يرى أن هذا التقدم مهدد بخمسة تحديات تتجلى في خطر انتشار الأوبئة المعدية، والأزمات المالية، والحروب، وتغيرات المناخ، واحتمال زيادة الفقر المدقع. ويقترح التصدي لهذه التحديات بتفعيل نظم التعاون بين الدول، والتصدي لمعوقات التقدم بتحليل الأدلة البينة وليس الانسياق وراء الانطباعات المضللة.
* النائب الأول لرئيس البنك الدولي
الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي البنك الدولي
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع