توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحياة مع الاستدانة وبعدها... كرَّة رابعة

  مصر اليوم -

الحياة مع الاستدانة وبعدها كرَّة رابعة

بقلم: د. محمود محيي الدين

على النقيض مما كان مع أزمات مالية واقتصادية سابقة التي أتت بغتة، أزمة الاستدانة الدولية الراهنة؛ إذ تؤكد الظواهر والمؤشرات التي عرضتها في المقالات الثلاث السابقة أن الأزمة الراهنة قد تعدت مجرد التوقع إلى ما يصرخ به الواقع. ورغم فداحة خسائرها بالنسبة للبلدان النامية فإنها أزمة صامتة، بخلاف ما كان مع أزمات مديونية سابقة عانت منها بلدان نامية.

ويرجع الصمت الدولي غير اللائق بالآثار الجسيمة للاستدانة لسببين: الأول، يرجع لاختلاف هيكل الدائنين؛ فبعدما كانت المديونيات السابقة تشكل القروض الرسمية من الدول المتقدمة الأعضاء في نادي باريس 40 في المائة من إجمالي المديونية، فقد تراجعت لأقل من ربع هذه النسبة، بما يعقد من إجراءات إعادة الجدولة المعتادة عما حدث من قبل. كما أن الدائنين من البنوك الكبرى التي تتخذ من البلدان المتقدمة مقرات رئيسية لها، ويسهم فيها جهات نافذة فيها، قد خفضوا مديونياتهم للبلدان النامية إلى أقصى حد، وما أقرضوه بالفعل فقد جعلوا له من المخصصات ما يحمي أوضاعهم المالية على عكس ما كان في الأزمات السابقة.

أمَّا السبب الثاني فيتعلق بالبلدان النامية المدينة نفسها، والتي أمست تقوم بأي إجراء مهما كانت تكلفته، حتى لا تواجه مساراً وعراً، إذا ما تعثرت في السداد، وطلبت إعادة الجدولة من الدائنين الجدد من حملة السندات الدولية، والدول التي لا يضمها نادي باريس. وتجدها لا تأتي بعمل قد يستحث مؤسسات التصنيف الدولية على تخفيض مرتبتها الائتمانية. وهي في سبيل ذلك تعطي الأولوية لخدمة الديون على ما قد تتطلبه خدمة عموم الناس من تعليم وصحة ومنافع أخرى أساسية. وهي في ذلك بلا مأرب إلا استمرار ولوجها إلى أسواق الديون، فهي تظن أن حجبها عن الديون الجديدة بلوغ نهاية الأجل.

ولعلاج أزمة الاستدانة الراهنة ظهرت مبادرات عدة على المستوى الدولي سأشير إليها بوصفها مفاتيح تستدعي التفاصيل:

أولاً، مبادرات تستند إلى معايير أخلاقية وأسس العدالة الإنسانية:

ومنها ما تبنته الاقتصادية إستر دوفلو، الحائزة جائزة نوبل، بأن البلدان الغنية عالية الانبعاثات الضارة لا يقتصر أثرها السلبي على المناخ، ولكن بما تتكبده البلدان النامية من خسائر وأضرار وتكاليف في التكيف معها. وقد قدرت فائض الانبعاثات الضارة سنوياً بنحو 14 مليار طن، واستخدمت تقدير الاقتصادي مايكل غرينستون بمبلغ 37 دولاراً للطن، لتقدر حجم المديونية البلدان المتقدمة المستحقة للبلدان النامية بنحو 500 مليار دولار سنوياً. وحددت مسارات تعبئتها من ضرائب على الكربون والدخل والثروة في البلدان المتقدمة؛ بما يخفف من أزمة الاستدانة الراهنة، ويتصدى لآثار تغيرات المناخ في آنٍ واحد.

ولهذا النوع الأخلاقي من المبادرات، يمكن إضافة مناشدات البابا فرانسيس، وكان آخرها في اجتماع شاركت فيه في الفاتيكان في الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، لتفعيل نهج إعفاء الأفقر من مديونياتهم، كما جرى العرف مع الاحتفال بما يُعرف بـ«اليوبيل» في السابق، والذي يحل مجدداً في عام 2025. بما يعد مناسبة لتخفيض الديون التي لا يعدها الفاتيكان «أمراً سياسياً واقتصادياً فحسب، بل أمراً أخلاقياً بتداعيات بالغة على حياة الملايين ومعايشهم».

ثانياً، مبادرات إصلاحية تستحث تفعيل التعاون الدولي:

مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة لدفع التنمية المستدامة.

مبادرات بريدج تاون في نسخها الثلاث التي تتبناها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي.

ميثاق باريس للبشر والأرض، الذي خرج عن القمة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

أجندة «في 20»، وتضم 68 دولة أكثر عرضة لمخاطر تغيرات المناخ. إعلان نيروبي.

والقاسم المشترك لهذه المبادرات هو تضمينها قضية علاج أزمة الديون: وهي تتنوع بين تبنٍّ لتفعيل إطار مجموعة العشرين لعلاج الديون؛ إلى تطبيق إعفاءات وإرجاءات لخدمة الديون في الظروف القهرية؛ وتعديل الإطار التحليلي لاستدامة المديونيات لمؤسستي «بريتون وودز»؛ وضم كافة الدائنين، وليس فقط أعضاء نادي باريس والأسواق الناشئة بل القطاع الخاص أيضاً في اتفاقات إعادة الهيكلة، وتخفيض أو إرجاء التكاليف الإضافية للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وتفعيل أدوات الابتكار المالي وتخفيض مخاطر الائتمان والتأمين عليها، ومراجعة منهجية وأساليب عمل مؤسسات التصنيف الائتماني.

وبافتراض سخي، في ظل الصراعات الجيوسياسية الراهنة، أن هذه المبادرات جميعاً ستلقى حظها من التطبيق، فهي ستخفف عندئذ فقط من آثار الاستدانة المضنية للبلدان النامية وفقرائهم وطبقاتهم الوسطى المنحسرة، ولكنها لن تعالج جذور أزمة الاستدانة، ولن تمنع تكرارها؛ فالعلاج يكمن، على مستوى الدولة تحديداً، في إصلاح النهج المعوج لتمويل النمو والتنمية الذي أفرط في الاعتماد على الديون بأنواعها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياة مع الاستدانة وبعدها كرَّة رابعة الحياة مع الاستدانة وبعدها كرَّة رابعة



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon