توقيت القاهرة المحلي 00:50:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن ثوابت تغيّرت... ومتغيرات ثبتت

  مصر اليوم -

عن ثوابت تغيّرت ومتغيرات ثبتت

بقلم: د. محمود محيي الدين

أهم ما يدور في جلسات الاجتماعات الدولية، ليس بالضرورة ما يُحشَد فيها من أعداد غفيرة من حضور، أو يصدر عنها من بيانات يستغرق مُعِدُّوها ساعات طوالاً في صياغتها، ولكن الأهم ما يجري في اجتماعات صغيرة بدعوات خاصة، وتتبع هذه الاجتماعات ما يُعرف بقواعد «تشاتام هاوس»، نسبةً إلى اسم المركز الفكري البريطاني، ووفقاً لها فمن الممكن استخدام المعلومات المتداولة، ولكن من غير المسموح نسبة ما قيل لأي شخص من الحضور، تشجيعاً للحوار.

والاجتماعات التي انتهت في واشنطن منذ أيام في إطار الملتقى السنوي لمؤسستَي بريتون وودز- البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ليست استثناءً من هذا النمط المتصاعد في المشاركة، ففي حين أن الغرض الأساسي من الاجتماعات هو الشق الرسمي لها، المتمثل في انعقاد لجنة التنمية لمجموعة البنك الدولي، واللجنة الدولية النقدية والمالية لصندوق النقد الدولي، اللتين تجتمعان مرتين سنوياً، فإن ما يحدث خارجهما من لقاءات واجتماعات وندوات يحظى بإقبال متزايد واهتمام مستحَق. ولعلك اطلعت على ما انتهت إليه تقارير المؤسستين عن الوضع الاقتصادي العالمي البائس، الذي يعكس بؤس ما آلت إليه البشرية من أحوال الحرب والصراعات المباشرة وبالوكالة، وزيادة الديون والفقر، والتفاوت الشديد في الدخول والثروات، وتدهور المناخ.

إن متوسط معدل النمو الاقتصادي العالمي متوقع له الاستقرار عند معدل متواضع يبلغ 3.2 في المائة، وبتفاوت تتمكّن فيه الولايات المتحدة من الاحتفاظ بصدارة النمو بين الاقتصادات المتقدمة عند 2.8 في المائة، و2 في المائة، في عامَي 2024 و2025، وتنمو فيهما الهند متجاوزةً 6.5 في المائة، ومرتفعة عن الصين التي يحوم معدل النمو فيها حول 4.5 في المائة، بينما تُصارع بلدان أوروبية السقوط في هوة الركود عند معدلات نمو لا تتجاوز 1 في المائة.

أما البلدان العربية والأفريقية فمعدلات نموها تتراوح بين 2 في المائة و4 في المائة، ولا تكفي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي أدنى باستثناءات معدودة عن متوسط معدل النمو الاقتصادي العالمي، بما يُنذر بمزيد من التباعد عن البلدان الأكثر تقدماً، كما أن نمو هذه البلدان، على عكس ما تتفوّق به مجموعة دول الآسيان البازغة، يعاني من التركز في قطاعات متدنية الإنتاجية، وضعيفة التنافسية، ومحدودة القدرة على توليد فرص عمل لائقة للشباب.

ويهدّد هذا النمو المتواضع صدماتٌ خارجية، وانعكاسات السياسات الصناعية، والإجراءات الحمائية، والقيود المتزايدة المفروضة على التجارة والاستثمار والمستحدثات التكنولوجية، فضلاً عن تداعيات أزمة المديونية الصامتة التي تعاني منها بلدان نامية تجاوزت فيها خدمات الديون ما تنفقه على أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية. وفي هذه الأثناء تتراجع معدلات التضخم عالمياً إلى 5.8 في المائة، بعدما بلغت 8.6 في المائة في عام 2022، وهو أعلى متوسط لها منذ بدء جائحة كورونا وما تلاها من أزمات، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 4.3 في المائة في عام 2025، وفي حين يتراجع معدل التضخم مقترباً من رقم 2 في المائة بالبلدان المتقدمة، فإن أرقام التضخم تصل لعدة أمثال هذا الرقم، كما أن تكلفة المعيشة الباهظة، مع تراكمات متوالية مرتفعة، ثم منخفضة، لزيادة الأسعار في السنوات الأخيرة أثقلت الكواهل بما لا تحتمل. ربما تيسّرت سبل دعم منخفضي الدخل بدعمٍ عيني أو نقدي، مشروط أو غير مشروط، ولكن المعضلة الكبرى تواجه فئات دخل الطبقة الوسطى التي لا تتوفر لها سبل مساندتها، وهي التي لم تعتَد من قبل على تلقّي دعم لأسباب المعيشة، ولا تجد في تلقّيه انسجاماً مع أحوالها وتطلّعاتها أصلاً، وترى فيما يجري اعترافاً لما تعانيه من تدهور لم يكن في حسبانها، وقد تكرّرت وعود بأن ما أصابها من شظف العيش مؤقت وانتقالي، فإذا بها تدرك أن الأحوال المؤقتة طالت لتفرض واقعاً جديداً، وستظل البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الأجل المنظور عُرضةً لتقلبات في أسعار الوقود والغذاء، وتكاليف نقلهما، بسبب الصراعات الجيوسياسية.

في هذا العالم الشديد التغير، من العبث ذهنياً وعملياً، الاستعداد لتحدياته بتهافُتِ مَن استعدّ بأسلحة مواجهة الحرب السابقة، كحال من أقام الخطوط الدفاعية الحصينة لمنع تقدم الألمان غزواً لفرنسا؛ انتفاعاً بدروس الحرب العالمية الأولى، فيما عُرف بخط «ماغينو» على اسم مؤسّسه، فجاء الاقتحام في الحرب العالمية الثانية من بلجيكا، فكم من خط لماغينو تجتهد الدول في تأسيسه بتكاليف باهظة، وبافتراضات سخية التضليل بأن مكمن الخطر في الحاضر والمستقبل أيضاً هو ما كان في ماضي انتصاراتها أو هزائمها، ظناً منها أنها تُحسن صنعاً.

الانتفاع بالتاريخ لا يكون بالإفراط في الظن أنه يُعِيد نفسه، وأن قوى الأمس هي قوى اليوم والغد، بل بتمكين عموم الناس من التعامل مع تحديات المستقبل وفُرَصه بالاستثمار في عقولهم ومهاراتهم، ورعايتهم صحياً.

فمن ثوابت الأمس ما قد تبدّل وتغيّر، ومن متغيراته ما ركد من دون حراك، وحتى نستكمل النقاش، لك هذا المثال عن الثوابت والمتغيرات على طريقة «تشاتام هاوس» المذكورة: حدثني أحد العالمين بإدارة مخاطر التمويل، فقال: «لقد كنت أدير تمويلي لمصانع أوروبا على ثوابت ثلاث: طاقة رخيصة ومتدفقة من روسيا، وسوق مفتوحة لمكونات الإنتاج وبيع المنتج النهائي في الصين، وتحالف أمني مع الولايات المتحدة»، ونعرف ما جرى للثابتَين الأوَّلَين من تغيّر في الأعوام الأخيرة، وسنعلم ما سيجري للثابت الثالث خلال أيام بعد فرز أصوات الناخبين للساكن الجديد في البيت الأبيض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن ثوابت تغيّرت ومتغيرات ثبتت عن ثوابت تغيّرت ومتغيرات ثبتت



GMT 18:45 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

2025 عـــام النجاح والحـــــذر

GMT 17:15 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لا للعفو العام.. نعم لسيادة القانون

GMT 17:14 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 17:13 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والعدوان اللذان شطبتهما 2024...

GMT 17:11 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

وجهة نظر مختلفة في قانون المسئولية الطبية

GMT 17:10 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

العتاة يلجأون أيضاً

GMT 07:23 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الطبيب الروسي عبد الكريموف مع الملك عبد العزيز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد

GMT 03:15 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

رانيا يوسف تحتفل بقُرب انتهاء تصوير "مملكة إبليس"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon