توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن مواجهة الحروب الاقتصادية

  مصر اليوم -

عن مواجهة الحروب الاقتصادية

بقلم د. محمود محيي الدين

يعاني العالم حروباً اقتصادية وليست تجارية فقط بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة. فالتجارة الدولية في تراجع وسلاسل الإمداد اعترتها مربكات القيود التجارية الجمركية وغير الجمركية، والنظام الدولي المتعدد الأطراف يعاني وهناً واستضعافاً على النحو الذي تشهده منظمة التجارة العالمية من أزمة تعوقها عن القيام بعملها الذي أسست من أجله. فآلية فض المنازعات الدولية معوقة عملياً منذ عام 2018، وأتت الاجتماعات الوزارية الدورية للمنظمة على مدار السنوات الماضية بأقل من التوقعات رغم تواضعها، فلم تشهد مجالات الإصلاح الرئيسية جديداً في ما يتعلق بقواعد التجارة الدولية، والشفافية ونظم الإخطار، وفتح أسواق جديدة، وفض المنازعات.

وعلى سبيل التذكرة، لم تكن لتتمكن بلدان عالم الجنوب من تحقيق ما أنجزته في التنمية ومكافحة الفقر وزيادة الدخول منذ التسعينات من القرن الماضي، إلا بفضل التوسع في تجارتها الدولية تصديراً واستيراداً لمكونات الإنتاج ودفعاً لآليات المنافسة في تحسين نوعية السلع والخدمات؛ وهو ما جذب إليها استثمارات محملة بتمويل لمشاريعها ومعارف وفنون إنتاجية متطورة.

وإذا ما كانت منافع التجارة الدولية، التي يجرى إهدارها اليوم، متحققة للاقتصادات الأكبر حجماً فلا غنى عنها للبلدان التي تعاني صغر الأسواق وضعف اقتصاداتها بما لا يمكنها توليد فرص عمل أو زيادة دخول سكانها اكتفاءً بمواردها المحلية. فلا بديل لها عن زيادة فرص التصدير والاستثمار لدفع النمو، ولن تعالج إجراءات إحلال الواردات في علاج اختلالات موازين التجارة والمدفوعات إلا في القطاعات التي تتمتع بها البلدان بمزايا نسبية وتنافسية ممكنة لها من ذلك. وبعد عقود من اتباع بلدان نامية سياسات شعبوية تحت مسميات مثل «من الإبرة إلى الصاروخ» لإنتاج أي شيء وكل شيء بدعايات طنانة ومبادرات متهافتة من دون دراسات للجدوى، لم تحصد إلا تراجعاً في الأداء الاقتصادي ومزيداً من العجز التجاري والاستدانة الدولية. على عكس ما تحقق للبلدان التي اتبعت سياسات صناعية في إطار استراتيجيات متكاملة للتنمية بتمويل منضبط لاستثماراتها حقق لها نمواً مطرداً تراكمياً لم يقل عن 7 في المائة في المتوسط هيأ لها الانتقال من حدة الفقر المدقع إلى مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي.

ولكن ما هي الفرص المتاحة اليوم مع ما يشهده العالم من حروب اقتصادية؟ فساحات الحروب الدولية تجاوزت التجارة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بزيادة موانعه، كما انتقلت إلى تحجيم فرص التعاون التكنولوجي بما فرضته قوانين بمنع صريح للمشاركة في مجالات بعينها لتعويق فرص المنافسة. فما يعرف بالسياسة الصناعية الجديدة المتبعة مؤخراً في البلدان المتقدمة صاحبتها إجراءات معوقة للتجارة والاستثمار، بل والتدريب والتعاون الفني واستقدام العمالة. وتنوعت المبررات لهذه الإجراءات بين دوافع الحفاظ على الصدارة، والتصدي لتغيرات المناخ، وتمتين سلاسل الإمداد التجارية، واعتبارات الأمن القومي والتحديات الجيوسياسية. ومن القطاعات الإنتاجية التي تشهد أكثر من غيرها مظاهر الحروب الاقتصادية الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وأشباه الموصلات والرقائق، والمعادن الحيوية، والصلب والألمنيوم، والصناعات الدوائية، والمنتجات المنخفضة الكربون، والأنشطة ذات الاستخدام العسكري والمدني المشترك.

في ظل هذه التطورات المحتدمة للحروب الاقتصادية العالمية وتزايد الأزمات وانهيار الثقة وما يعانيه الاقتصاد العالمي من تفتيت، يستلزم التحرك على أربعة مستويات:

أولها يبدأ بإدراك أن تقدم اقتصاد الدولة يكون من داخلها، وهو حصيلة تفاعل لمؤسساتها وسياساتها وأسواقها. فإذا ما تراجعت فاعلية المؤسسات فافتقدت متطلبات الحوكمة والحكمة في إدارتها، وإذا ما اضطربت السياسات العامة فغاب التنسيق بينها واختلطت أدواتها بأهدافها بلا وضوح لأولوياتها، وإذا ما أهدرت كفاءة الأسواق فاختلت فيها قواعد المنافسة وتماهت أدوار القطاع الخاص مع وظائف الحكومة وتوابعها بلا ضوابط، فأنى يتحقق التقدم المنشود؟

ثانيها يأتي بالتمسك بالعلاقات الثنائية القائمة التي تجمع بين الدول وشركائها الاقتصاديين والبناء عليها، وألا تؤخذ باعتبارها من مسلمات الماضي، مع ضرورة مراجعة مدى توازن العلاقات في مكوناتها وإشراك القطاع الخاص في دفعها.

وثالثها يتحقق بإحياء محاور التعاون الإقليمي؛ فعلى مدار الشهر الحالي استضافت الرياض والكويت والقاهرة ونيروبي تجمعات إقليمية اقتصادية ومالية بدأت باحتفاء بنك التنمية الإسلامي في الرياض بمرور 50 عاماً على تأسيسه بما يضمه من 57 دولة حول العالم. ثم استضافت الكويت اجتماع مؤسسات مجموعة التنسيق العربية ولجنة المساعدات الإنمائية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ثم استضافت القاهرة اجتماع الهيئات المالية العربية، وانعقد الاجتماع السنوي الستون لبنك التنمية الأفريقي في العاصمة الكينية نيروبي. وفي هذه التجمعات فرص واعدة تمنحها مناطق الجوار الجغرافي.

ورابعها يتمثل في توطين التنمية بإيلاء الأولوية للاستثمار في القرى والمدن بتطوير رأس المال البشري والبنية الأساسية والتكنولوجية ومجالات الاستدامة والاقتصاد الأخضر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مواجهة الحروب الاقتصادية عن مواجهة الحروب الاقتصادية



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon