توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشمول المالي ومدخرات العرب

  مصر اليوم -

الشمول المالي ومدخرات العرب

بقلم : د. محمود محيي الدين

 صدر منذ أيام التحديث الجديد لقاعدة البيانات العالمية للشمول المالي (FINDEX) الذي يشمل 140 اقتصاداً مختلفاً، بما في ذلك اقتصادات الدول العربية. وترصد قاعدة البيانات التطور الحادث في مؤشرات الشمول المالي، بمعنى نسبة الأفراد الحائزين على حسابات مصرفية أو مالية، وكيفية تغير مدخراتهم وقروضهم ومدفوعاتهم وإدارتهم للمخاطر المالية من خلال الأوعية المالية المختلفة.

تُظهر المؤشرات تحسناً في الشمول المالي في الدول العربية، إذ ارتفعت نسبة ذوي الحسابات المصرفية أو المالية من 30% في عام 2014 إلى 37% في عام 2017، وإن كانت أقل بكثير من متوسط الدول النامية، الذي بلغ 63% في عام 2017. وتبلغ نسبة من لديهم حسابات مالية على مستوى العالم اليوم 69%، وتتجاوز نسبتهم 94% في الدول الأعلى دخلاً.

تجد تبايناً كبيراً بين الدول العربية، ففي حين يصل الشمول المالي إلى 76% في دول مجلس التعاون الخليجي لا يتجاوز هذا الرقم 20% في دول مثل موريتانيا والعراق.

ويُعزى الجانب الأكبر من التحسن في الشمول المالي على مستوى العالم، وكذلك في الدول النامية، إلى تطور استخدام التقنية المالية، وكذلك انتشار الهواتف المحمولة. ففي تونس ومصر والأردن والسعودية وصل من قاموا، من أصحاب الحسابات المالية، بإجراء مدفوعات رقمية إلى نحو 80% في عام 2017 ارتفاعاً من 62% في عام 2014 من خلال التوسع في دفع المعاملات ببطاقات مصرفية وائتمانية والهاتف المحمول وشبكة الإنترنت، وتبنِّي الحكومات نُظُم دفع الرواتب والمعاشات ومستحقات الضمان الاجتماعي من خلال تحويلات مصرفية بديلاً عن البنكنوت.

ورغم التحسن في استخدام الهواتف المحمولة في القيام بخدمات مالية، فعالمياً تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليار شخص لديهم هواتف محمولة لكنهم لا يملكون حسابات مالية. وعربياً هناك، على سبيل المثال، 15 مليون مواطن مغربي لديهم هواتف محمولة بلا حسابات مصرفية، وفي مصر يصل هذا العدد إلى 30 مليون مواطن، كما أن هناك مليونين من المغاربة يعملون في القطاع الخاص ويتقاضون أجورهم نقداً، وفي مصر يبلغ هذا العدد 8 ملايين من العاملين.

وترى اختلافاً كبيراً داخل كل دولة بين مواطنيها في تملك الحسابات المالية، توضحه فجوات خمسة: فجوة بين الذكور والإناث، وفجوة بين الأعلى والأقل دخلاً، وفجوة بين سكان الحضر وأهل المناطق الريفية، وفجوة بين أصحاب الأعمار المختلفة، وفجوة بين مستويات التعليم المختلفة.

ففرص المرأة العربية في امتلاك حساب مصرفي تقل عن الرجل بمقدار 22 نقطة مئوية، وهذا أسوأ من الوضع في الدول النامية حيث تبلغ فجوة الفرص 9 نقاط مئوية لصالح الرجل. كما أن هناك فجوة أخرى تتمثل في الدخول، فالأفقر دخلاً في الدول النامية تقل فرصه عن الأعلى دخلاً بمقدار 13 نقطة مئوية في المتوسط في تملك حساب مصرفي. وتُظهر المؤشرات تراجعاً في فرص الشمول المالي بمقدار 13 نقطة مئوية أخرى للشرائح التي تقل أعمارها عن 25 عاماً، مقارنةً بالأكبر عمراً. وهناك فجوة أخرى تتعلق بمستوى التعليم، فملكية حساب مصرفي لمن تحصلوا على تعليم ابتدائي فقط لا تتجاوز 56%، وتصل إلى 76% لذوي التعليم الثانوي، وتتجاوز 92% لأصحاب المؤهلات العالية.

ووفقاً لتبعات هذه الفجوات الخمسة، فإن امرأة عربية، من أهل الريف، منخفضة الدخل، عمرها يقل عن 25 عاماً، لم تتلقَّ قدراً جيداً من التعليم، سيكون احتمال امتلاكها حساباً مالياً ضعيفاً للغاية، ولن تستفيد وصاحباتها تلقائياً من برامج التمويل الرسمي، إلا إذا تبنى القائمون على القطاع المالي وتكنولوجيا المعلومات والهواتف الجوالة سبيلاً آخر تدعمه سياسات التنمية المستدامة الشاملة للكافة، وليس مجرد إجراءات متناثرة للشمول المالي.
فبرامج الشمول المالي عليها أن تكون في إطار أهداف أوسع من الاقتصار على إتاحة حسابات مالية لدفع بعض الالتزامات والمستحقات، مع ما في ذلك من أهمية كبيرة. ففتح حسابات مالية يجب أن يكون مقدمة لأصحابها للاستفادة من خدمات مالية أهم مثل الادخار والائتمان وتيسير الحصول على خدمات مالية أخرى كالتأمين، أو التكافل، والتمويل العقاري والتأجير التمويلي.

فالهدف الأول للتوسع في ملكية الحسابات المصرفية والشمول المالي في الدول العربية يلزم أن يكون في إطار سياسة متكاملة لزيادة الادخار. فقد أظهرت بيانات الشمول المالي أن تمّلك حساب مصرفي لم يكن مقترناً دائماً بزيادة الادخار؛ فالمدخرون، بغض النظر عن حجم ادخارهم، لم تتجاوز نسبتهم 38%. ومن الحسابات القومية نعلم أن الدول العربية، باستثناءات محدودة، لا تدّخر بما يتناسب ودخولها ومتوسط الادخار فيها كنسبة من الدخل القومي تراجعت من 40% في عام 2007 إلى 25% في عام 2016 لتقل بذلك عن الدول النامية منخفضة ومتوسطة الدخل التي بلغت مدخراتها نسبة 30% من الدخل. والذي يدعو للقلق حقاً، هو الانخفاض الحاد لنسبة الادخار لتقل عن 10% في عدة دول عربية، ومن المعروف أنه من دون مدخرات محلية لن يتوفر تمويل مستقر للاستثمار، وبرامج النمو؛ وتضطرب حياة الأفراد إذا ما تعرضت دخولهم لعارض. وقد تلجأ الدولة إلى التوسع في الاستدانة لعجز المدخرات، وقد لا يتيسر لمواطنيها هذا السبيل وإن اضطُّروا إليه.

يستلزم الأمر في هذا الصدد تبني مبادرة في إطار سياسة للادخار سيكون لها تأثير كبير في تغيير السلوك الادخاري. تستفيد هذه المبادرة من شبابية التكوين السكاني العربي، وتزايد أعداد تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات؛ ويدعمها انتشار خدمات الإنترنت؛ والتوسع في النشاط المصرفي والمالي، وتبني استخدام نظام الرقم القومي الموحد في عدة بلدان عربية.

هذه المبادرة، تهدف إلى فتح حساب مالي لكل تلميذ فيسجَّل اسمه تلقائياً في البنوك من خلال فتح حساب مالي إلكتروني يودَع فيه مبلغ رمزي، وتموّل هذه الإيداعات من البنوك بالتعاون من البنوك المركزية باستخدام نسبة محدودة للغاية من الاحتياطي القانوني. ستحدث هذه المبادرة نقلة نوعية مطلوبة في الثقافة المالية والادخارية للتلاميذ وذويهم، وتفتح أمامهم آفاق الخدمات المالية المتنوعة. وستربح البنوك أعداداً كبيرة من مودعين جدد، لن يمسوا هذه المدخرات إلا بالزيادة لمن استطاع، حتى بلوغ السن القانونية. من شأن هذه المبادرة، وفاعلية تطبيقها باستخدام منظومة بيانات متكاملة وتنسيق بين السياسات الاقتصادية، تحقيق شمول مالي له فائدة حقيقية للأفراد والاقتصاد. وفتح حساب ادخاري لكل تلميذ وطالب هو بداية لنهج جديد لزيادة الادخار والتنمية المالية.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشمول المالي ومدخرات العرب الشمول المالي ومدخرات العرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon