سياستا الحوار والملفات تشكلان جزءًا من حقائق الحياة السياسية المعاصرة فى عالمنا، وتلجأ إليهما النخب السياسية الحاكمة، والمعارضة والحكومات والأحزاب السياسية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات لمواجهة المشكلات التى تواجههم، ولا يقتصر الأمر على بعض الدول الكبرى الأكثر تقدمًا، وإنما تلجأ إليهما بعض الدول النامية، والسؤال الذى نطرحه لماذا الحوار والملفات حول المشكلات الهيكلية السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية؟
1- بناء الحد الأدنى من التوافقات بين الأطراف / الفواعل المتحاورة.
2- المساهمة فى تجديد خلايا الإجماع الوطنى والشرعية السياسية على نحو يمنح القيادة السياسية والنخبة الحاكمة الحيوية، وهوامش للحركة وإصدار القرارات فى مساحات أوسع مما هو متاح قبل الحوار.
3- تؤدى العملية الحوارية إلى إنارة الرأى العام وشرائح اجتماعية متعددة حول طبيعة المشكلات الأساسية، والاعتلالات الهيكلية التى تواجه حياتهم وتؤثر على نوعيتها ومساراتها المستقبلية، ومن ثم تؤدى إلى تولية حالة من الرضا العام حول السياسات الرسمية.
4- الحوار عملية وآلية تؤدى إلى تخفيض معدلات الغضب الاجتماعى وتراكماته لدى بعض القوى والشرائح الاجتماعية، وتفريغ طاقاته على نحو سلمى وبناء سياسيًا.
5- الحوار عملية تنطوى على طابع تعليمى/ اجتماعى لبعض الشرائح الجيلية غير المشاركة فى العملية الحوارية.
السؤال الثانى ما المقصود بسياسة الملفات؟ وما علاقتها بسياسة الحوار الوطني؟
هى إسناد رئيس الدولة بعض الملفات الخاصة بمشكلة أو أكثر من المشكلات إلى شخصية عامة متخصصة فى الموضوع ـ التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد والذكاء الصناعى أو البطالة أو الإسكان .... إلخ. ومشهود لها بالكفاءة وحسن السيرة والإنجاز والاحترام العام، أو إلى لجنة مستقلة تساعده كى تتقصى فى موضوعية جذور المشكلة الرئيسة والمشكلات الفرعية، ومسارات تطورها، ووضع الأساليب المختلفة للتعامل معها، وطرحها أمام قادة البلاد والأمة. السؤال لماذا اللجوء إلى سياسة الملفات؟
الطابع المعقد والمركب للمشكلات التى تحتاج إلى التخصص الدقيق فى أبعادها كافة، وتحتاج من ثم إلى أهل الخبرة والتخصص قبل طرحها على الرأى العام والقوى السياسية المختلفة.
فى النظم الليبرالية البرلمانية الغربية يتم الجدل حول القضايا الأساسية وتشخيصها، والنقاش حول أساليب المعالجة ومدى ملاءمة الحلول المطروحة من حيث النفقات السياسية والاجتماعية لها، وهو ما يظهر من خلال ملفات أهل التخصص الحزبي.
فى الدول النامية تزداد أهمية إسناد ملف بعض المشكلات الهيكلية إلى أهل الخبرة والتخصص بعيدًا عن الشعارات الإيديولوجية والشعبوية.
خطاب أهل الخبرة يؤدى فى الدول النامية إلى بناء جسور الثقافة بين الحكم وبين القطاعات الاجتماعية الرئيسية التى يستند إليها فى دعم شرعيته وتشكل سندًا له.
السؤال ما العلاقة بين سياسة الحوار وبين سياسة الملفات؟ كلتاهما يكمل بعضهما الآخر، ويمكن اللجوء إليهما معًا من خلال البدء بسياسة الملفات، وطرح نتائجها أمام الحوار الوطنى العام كى يستند إلى خريطة لجذور المشكلة أو المشكلات. الفرعية وتطورها ومساراتها والحلول المطروحة للتعامل معها. والسؤال ما أهمية اللجوء إلى كلتا السياستين فى الحالة المصرية؟ لعديد الأسباب وعلى رأسها ما يلي:
ضعف وعدم تمثيلية الأحزاب السياسية فى الحياة العامة ومجالها المقيد.
غياب اللجوء إلى أهل الخبرة والتخصص فى عديد المجالات داخل الأحزاب السياسية أو ائتلاف دعم الحكومة فى البرلمان.
التعقيد التاريخى المتوارث لعديد المشكلات القومية المصرية فى التعليم والصحة والإسكان والعمل والثقافة ... إلخ، وهى ملفات عسيرة على التناول الشعارى وتتأبى على الأفكار العامة المجانية والغامضة.
حالة الاضطراب الإقليمي، والإرهاب، وانهيار دول ونشوب حروب أهلية فى سوريا، واليمن وليبيا، وعدم الاستقرار فى العراق وتعثر عمليات الانتقال فى تونس اقتصاديًا، وأزمات اجتماعية فى المغرب والجزائر والسودان ولبنان والأردن ومصر. الفجوات الجيلية منذ عهد مبارك وإلى ما بعد 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013 بين شرائح جيلية واسعة - 23% من مجمل السكان وما يقدر بـ 20 مليون شاب-، وبين النخب السياسية الحاكمة والحزبية خاصة فى ظل عدم اقتناع بعض هذه الشرائح بالأحزاب القائمة، وعدم تعبير قياداتها وبرامجها عن طموحاتهم. الحاجة إلى سياسات الأمل التى تستطيع أن تحوز على رضا القطاعات الشابة، وتدفعهم للعمل السياسى الرشيد والمنظم، والحركة الطوعية المبادرة بالعمل الأهلي، ومواجهة أشكال الفساد، والحثُ على احترام القانون فى الحياة اليومية.
نقلا عن الاهرام القاهريه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع