جذب انتباهى عندما كنت فى واشنطن خبرا فى إحدى الصحف عن بلدة صغيرة فى جنوب إلينوى تسمى LITTLE EGYPT، وأن سكانها يعتبرون أنفسهم من نسل قدماء المصريين، حتى إنهم حريصون على تأكيد هذا الانتماء فى مناسبات عديدة ورسمية.
بحثت عن رقم تليفون عمدة هذه البلدة، واتصلت به، وتحدثنا، وراح يشرح لى نشأة اسم ليتل إيجيبت تاريخيا، وأنه ظهر، لأول مرة، عام 1860، وبالرغم من عدم وجود رؤية رسمية عن سبب هذه التسمية، فالسكان لديهم عقيدة بأنهم أحفاد قدماء المصريين، وأن علماء الإنسان والتاريخ الذين اهتموا بدراسة أصول سكان المدينة لفت نظرهم شكل مقابر السكان القدامى، والتى بنوها بنظام معمارى على شكل الأهرامات فى مصر.
وإن كان هذا النمط قد توقف بعد ذلك لسنوات طويلة، وإن كانت هناك مدن أخرى صغيرة فى هذه المنطقة من جنوب إلينوى، حملت أسماء مصرية، فى إشارة من السكان إلى مصر نفسها.
الأهم فى مناقشتى مع عمدة ليتل إيجيبت ما عرفته منه من أنهم ينظمون مهرجانا فى تاريخ معين من كل سنة، يخرج فيه طلبة المدارس فى عرض يجوبون فيه شوارع المدينة، مرتدين ثيابا بنفس طراز الثياب التى كان يرتديها قدماء المصريين. ودعانى عمدة المدينة باعتبارى صحفيا مصريا لحضور هذا المهرجان، وراح يشرح لى كيف أننى سوف أستمتع بما سأراه من لمسات جمالية يضفيها هذا المهرجان على المدينة، ومن الشعور القوى لأهلها بالانتماء لمدينتهم، وقبلت الدعوة، وتحمست للذهاب. لكن ظروفا جدت فى توقيت المهرجان تجعلنى بصفتى الصحفية وبوجود مكتب للأهرام فى نيويورك أن نكون متواجدين هناك أثناء هذه الظروف.
ففى هذا الوقت كانت نيويورك تشهد مناسبة تخص الهوية الوطنية والحضارة المصرية. ففى متحف المتروبوليتان العريق يتم افتتاح معرض لآثار مصرية لها خصوصية متميزة، تحت عنوان «500 سنة من أزهى عصور الحضارة المصرية». وكان هناك تواجد مصرى شديد التميز فمن بين الحاضرين السفير أحمد أبوالغيط الذى كان وقتها مندوب مصر فى الأمم المتحدة، ووزير الثقافة المتميز فاروق حسنى، والعالم الأثرى المعروف عالميا الدكتور زاهى حواس.
لم تكن ليتل إيجيبت قد غابت عن الذاكرة، وإذا كانت فى أمريكا 19 مدينة باسم القاهرة، و12 مدينة باسم إسكندرية، نسبة إلى أهم مدينتين فى مصر، لكن تبقى حالة ليتل إيجيبت ذات خصوصية مختلفة عن هذه المدن.
هذا النموذج جذب تفكيرى إلى فعاليات إحياء الجذور التى بدأت بين مصر واليونان وقبرص، والتى تتضمن فى جانب من برامجها تنظيم زيارات سياحية وثقافية للشباب فى كل دولة، ثم إضافة جاليات جديدة، منها الجالية الأرمنية، وهو ما يجعلنى أتساءل: هل يمكن أن تتسع مظلة إحياء الجذور إلى أقليات فى منطقة جغرافية أخرى، يعتبر بعض سكانها أن أصولهم تعود إلى قدماء المصريين؟!
أقصد بذلك ما كنت قد علمته أثناء زيارة قديمة لمدينة بلجراد عاصمة صربيا الآن، من أن البعض فى دول البلقان يعرفون أنفسهم بأنهم مصريون تعود أصولهم إلى الفراعنة، وأن أجدادهم جاءوا أصلا من مصر.
وعلى سبيل المثال، ففى تعداد صربيا عام 2002، عرف المئات أنفسهم بأنهم من أصول مصرية، وبنفس الشكل عرف المئات فى مونتنيجرو والآلاف فى ماسادونيا (مقدونيا اليوغسلافية) أنفسهم بأنهم من أصول مصرية قديمة.
إن العدد هنا محدود بالمقارنة بمدينة بأكلملها فى إلينوى هى ليتل إيجيبت، والتى ما زال سكانها يحتفلون سنويا فى مهرجان وطنى بمصريتهم القديمة.
هنا أعود للتساؤل: ونحن نسعى إلى التواصل ثقافيا وحضاريا مع مواطنى دول أخرى هل يمكن أن تلقى فعاليات إحياء الجذور بظلالها على هذه المساحات البعيدة جغرافيا، والتى تحرص على تأكيد انتماءٍ يمثل عقيدة راسخة لديها بمصريتها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن المصري اليوم القاهرية