أَبدأُ بالتساؤلِ، مثل أى مثقفٍ فى أُمتِنا العربية:
تُرى متى سيستعيدُ المثقفُ العربى مكانتَه ودورَه الحقيقييْن فى مجتمعاتِنا العربية؟!
للمفكر الدكتور «إدوارد سعيد»، مقولةٌ هامةٌ فى هذا السياق، ذكرها عند سؤالِه عمَنْ هو المثقف؟:
(تكون مثقفًا عندما يكونُ لديكَ منطقُكَ الخاص وآراؤكَ الخاصة، وألّاَ تكونَ منساقًا وراءَ منطقِ وآراءِ الغيرِ، وأن تكونَ لديكَ الجرأةُ والحريةُ الكافية فى اختيارِ موقفِكَ والتعبير عنه بكلِّ حرّيةٍ).
وفى كلِّ أوطانِنا العربية، نسأل:
هل لدينا الحريةُ فى التعبيرِ عن آرائِنا وهمومِنا وإشكالاتِنا بكلِّ ألوانِها، السياسية والإيديولوجية، الفكرية، الاجتماعية والثقافية؟
وهل نملكُ جرأةَ التفكيرِ، قبل كلِّ ذلك؟
أم المجتمعات كلّها منساقة؟ ولا تجرؤ على استخدامِ العقلِ فى حياتها، أو لا تسمح لها البيئةُ المحيطة، بذلك؟
هل الكاتبُ فى مجتمعاتِنا حرٌّ فى كتابة آرائِه؟ سواء مباشرةً أو من خلالِ قوالبِ السردِ المختلفة وأشكالِ الإبداع المتعدّدة، حيث تكون أفكارُه متواريةً وراء الأشكالِ الإبداعية المختلفة.
هل لدى الكاتب، ولدى أى مواطنٍ فى مجتمعاتِنا، الرأى الخاص به، وموقفُه ممّا يحدثُ فى وطنِه وما يعيشه من أحداثٍ فى مختلفِ المجالاتِ، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا؟.
هذا ويظلُّ دورُ المثقفِ ضروريًا جدا فى البلادِ التى تُقدِّرُ مفكريها وكُتّابَها ومبدعيها، وكلَّ القوى الناعمة فيها.
المثقفُ ليس هو الحامل للمعلومات أو المنتج للأفكار أو المؤلف للكتب أو المبدع فى أى مجالٍ من مجالاتِ الإبداع أو الفنون، فحسب، بل هو الذى يعمل على المشاركةِ فى نشرِ تلك الأفكارِ فى مجتمعِه والمساهمة فى التوعيةِ والتثقيف، وهو الملتزم بدورِه تجاه مجتمعه والإطّلاع على همومِ النّاس ومشاكلِهم وآرائِهم ورؤاهم، والملتزم أيضا بحملِ رسالةِ الوعى والتنويرِ فى المجتمعِ بكافةِ أطيافِه.
بدون المثقف، لا يمكن أن يُدارَ حوارٌ عقلانى فى المجتمع.
المثقف الحقيقى هو الذى يكونُ له موقفٌ من الأحداث فى مجتمعِه، وليس ذلك الذى يحلِّقُ فوق الأحداث!.
المثقف الحقيقى هو صانعُ الأفكار وهو الذى عليه أن يُقرِّبَها إلى النّاس، أيضًا.
هناك مصطلح «الأَنْتليجنسيا»، «L’intelligentsia» والذى يعنى (فئة من الأشخاص المتعلّمين المنخرطين فى الأعمالِ الذهنية التى لها دورٌ نقدى وتوجيهى وقيادى فى تشكيلِ ثقافةِ وسياسةِ مجتمعِهم، تضمُّ فنانين ومعلّمين وأكاديميين وكُتَّاب). هُم المثقفون!.
(وهى الفئة المؤهلة لصياغةِ إيديولوجيا متكاملةٍ للتطوّر مستندة فى ذلك إلى التقاليد المحلية داخل المجتمع).
إنَّ موضوعَ المثقفِ وعلاقتَه بالمجتمع، فى سياقاتِه المختلفة وتحوّلاتها، يطرحُ إشكالياتٍ جمَّةً -لا يتسِّعُ له مقالٌ واحدٌ.
ويبقى السؤالُ: متى يكونُ للمثقفِ العربى دورُه الفعّال والحقيقى فى المجتمع؟!