بقلم - حبيبة محمدي
«أنا أَقدم من إسرائيل»، عبارةٌ انتشرتْ لإحدى حرائرِ فلسطين، هى الحاجة السيّدة «هادية نصّار»، التى تمَّ قتلُها مؤخرًا على يدِ المُحتلِ الصهيونىّ الغاشم!
والعبارةُ ترددّتْ من خلال فيديو، كان قد انتشر منذ فترة، والذى قيل خلاله إنّها من مواليد ١٩٤٤، أى أنَّها وُلدتْ قبل النكبة، وإنّها بذلك أَقدم من إسرائيل، فعلًا!.
نعمْ يا أمّى، صدقتِ، بل إنَّ أصغرَ وطنٍ على خريطتِنا الجغرافية العربية المُمتدة أكبرُ من إسرائيل، وأحدثَ دولةٍ فى تاريخِنا أَقدمُ من إسرائيل!.
لقد ماتتْ المرأةُ العجوز التى قُتلتْ بدمٍ باردٍ من قناصةِ المُحتلِ الصهيونىّ السافر، قتلها المجرمون، ولم تأخذْهم بها رأفةٌ، رغم كِبَرِ سنّها ووهنها!.
الحاجة «هادية» وغيرُها من حرائرِ فلسطين يُعلِّمنَ هذا الجيلَ معنى الوطن ويُلَقِّنَّه دروسًا فى الوطنيةِ على الفطرةِ والقلب!.
فى الفيديو الذى سجّله معها مصوّرٌ صحفى فلسطينى يُدعى «صالح»، قرأتْ بتلقائيةٍ شعرًا من العامية الفلسطينية، قالت: «بَلَدى لو شحتْ عليَّا (مَرِيا)، وأهلى لو قِسْيُوا عليَّا حناينْ».
وهو ما يُذكِّرنا بالبيتِ الشِّعرىّ، الذى تتأرجحُ نسبتُه بين أبى فِراس الحمدانى و«شوقي» أو «الشريف» أو غيرهم، لكنّه الأقوى تعبيرًا، وهو:
«بلادى وإنْ جارتْ علىَّ عزيزةٌ/ وأهلى وإنْ ضَنُّوا علىَّ كِرامُ»!.
وكأنَّ البيت الذى ذَكَرتْه السيّدة باللهجةِ الفلسطينية- والذى أتمنى أن أكونَ قد نقلتُه بطريقةٍ صحيحة- كأنَّه هو المعادل الموضوعى لذلك البيتِ الشهير، (بغضِ النظرِ عن اسمِ صاحبِه!).
إنَّها الوطنيةُ فى أجملِ صُوّرِها وأصدقِ تجلّياتِها من هذه المرأة البطلة، التى أخافتْهم شجاعتُها، فقتلوها!، والتى كانتْ قد قالتْ أيضًا: «أنا متمسكة بأرضى»، وأظهرتْ صورة لفرنِ الخبزِ الذى ظلتْ تعمل فيه لأكثر من ٢٥ سنة.
إنَّها صورةٌ جميلة للمرأة الفلسطينية المناضلة بطريقتِها وعفويتِها.
رحمها اللهُ وأسكنها فسيحَ جناته مع الشُّهداءِ والصدّيقين.
إنَّ قتلَ هذه السيّدة الفلسطينية دليلٌ آخرُ على جرائم المُحتل الصهيونىّ، وإبادته الجماعية لشعبٍ برىء أعزل، لا حَوْل ولا قوة له، وسوادٌ آخرُ يُضافُ إلى حِلكةِ الليلِ الطويل الذى يعيشُه الشعبُ الفلسطينى الشقيق فى «فلسطين» عامة، وفى «غزّة» تحديدًا، بل تعيشُه الأمةُ العربية كلُّها؛ وما تزالُ مكابدةُ الشعبِ الفلسطينى متواصلةً، والمعاناةُ مستمرةً، من قتلٍ وتجويعٍ وتشريدٍ وإبادة...!، فى الوقتِ الذى يُغْمِضُ الضميرُ العالمى عينيْه عمّا يجرى، ويَكيلُ المجتمعُ الدولىُّ بمكياليْن!.
ويستمرُ الشعبُ الفلسطينى فى مقاومتِه الباسلة، بينما العالَم كلُّه يُطوِّقُه الصمتُ!، ومازال الشعبُ الفلسطينى يعيشُ الفواجعَ كلَّ يوم، وآخرها قتل العجوز الشُجاعة الحاجة «هادية»، رحمها الله، والتى عمرُها أَجملُ وأَقدمُ من إسرائيل!.