بقلم - حبيبة محمدي
كثيرًا ما يعترينا الحنينُ إلى زمنٍ ماضٍ، وإلى ذكرياتٍ مرتْ، لكنْ مازالَ عبقُها يملأُ أرواحَنا..
ما كان لحياتنا معنى ورسالة وجمال، لولا الفنون والإبداع. ومن مصادر هذا الإبداع والجمال الأعمال الفنية، حيث يظل المبدعون أيقوناتٍ باقيةً عبر الزمن.. واحدٌ من الأسماء التى أبدعت فى مجال الإخراج عربيًا، بل عالميًا، وأحدُ الذين أثرُوا الفنَ العربى، ابن «سوريا» الشقيقة، المخرج الكبير الأستاذ «أنور القوادرى»، ولأنَّ «القاهرة» جامعةٌ حقيقية للعربِ جميعًا، وأرضُ الحضارات والفنون التى تجمع الأحبّة، فقد التقينا بالقاهرة الحبيبة ذات مناسبةٍ ثقافية وفنيّة. «أنور القوادرى» مخرج كبير، دارس وفاهم فى تخصصّه، فقد درس بـ«بريطانيا العظمى»، التى يقيم بها حاليًا، فنونَ الإخراج، وعمل مع مخرجين وممثلين عالميين، فضلًا عن ذلك هو صاحب رؤية، يحاول من خلال أعماله أن يسير على خط العروبة، محاولًا أن يكون للهوية العربية خطوطٌ ومعالمُ، يرسمها هو، حتى لو اختلف معه البعضُ!.
يحاول «القوادرى»، فى معظم أعماله، المزجَ بين الواقع والخيال، بين الأسطورة والحقيقة، كما فعل فى عمله الأشهر وربّما الأجمل «سِحرُ الشرق»، الذى أراد أن يوصل من خلاله رسالةً مهمة، وهى أنَّ الشرق يظل هو المُلهم الأوّل للغرب بكلِّ ما هو فيه من حضارة وتقدم، لأنَّنا نحن العرب أصل الحضارة والفنون والإبداع. فى «سحر الشرق» يحاكى المخرج حضارتيْن، هما الشرق والغرب، وذلك من خلال قصة حقيقية يوّثقها بكلِّ مصداقيةٍ وسحرٍ فنى يسمح للخيال بالجمال، أيضا..؛ فـ «جين إليزابيث ديغبي» (Jane Digby) (1807- 1881م)، هى سيدة إنجليزية أرستقراطية جميلة، تزوجت من ساسة وملوك ورجال معروفين، امتدت شهرتها بين القارتين الأوروبية والآسيوية؛ وقد جذبها سحرُ الشرق فى منتصف عمرها، وكانت امرأة جريئة ونبيلة، فسافرت إلى سوريا عام 1852م، ومن خلال رحلتها تلك تعرفت إلى الشيخ العربى «مجول المصرب»، الفارس الشُجاع، ونشأت بينهما قصةُ حبٍّ جميلة تُذكِّرنا بالقصص الشهيرة، مثل «قيس وليلى»، وغيرهما، تركت الحياة الأوروبية بكلِّ زخمها وعاشت فى البادية مع زوجها، ترعاه وتخدم أبناءها، عاشت بكلِّ جمالٍ الحياةَ البدوية الفطرية البسيطة التى افتُتنتْ بها، حيث عاشت جلَّ عمرها تقريبا بدمشق، إلى أن تُوفيت بها، وقد خرج فى جنازتها كبارُ السياسيين ورجال الدولة آنذاك، ودُفنت فى «باب شرقى» فى دمشق.
فقد كانت سيدة معروفة، حتى إنَّها تعرفت على «الأمير عبدالقادر الجزائرى»، وكان صديقا للعائلة حين انتقلت مع زوجها بين «تدمر» و«دمشق»، وتحديدًا «حى الأقصاب»، حيث كان يسكن «الأمير عبدالقادر الجزائرى»، كما حكى لى صديقى المثقف الكبير الأستاذ «أنور القوادرى»، وقد تميّز «الأمير عبدالقادر الجزائرى» بشهامته وبطولته. ومازالتْ الحكايا والذكريات مستمرةً..
ومازال كلُّ إبداعٍ هو ثورةٌ على القبح، انتصارٌ للجمال، ودعوة إلى المحبّة الإنسانية!.
تُرى.. هل ما زالتْ شمسُ العَرب تسطعُ على الغرب؟