بقلم:حبيبة محمدي
إنَّ الظروفَ التى عاشتْها العالِمة «مَارى كُورى»، فى حياتِها، والصِعابَ التى عرفتْها منذ الطفولةِ، كفقدِ الأمِّ مبكرا، وعدمِ القدرةِ على الالتحاقِ بالجامعة لأسبابٍ اقتصاديةٍ واجتماعية، حيث حُرمتْ من دخولِ الجامعةِ فى «وارسو»، لأنَّها كانتْ مُخصصّة للذكورِ فقط، رغم تفوّقِها! ثم تكبدُها عناءَ السَّفرِ إلى «باريس» للالتحاقِ بجامعة «السوربون».. ثمَّ اتهامها بأنَّها ليستْ مَنْ تقوم بالاختراعاتِ بنفسِها، ونَسبوا الفضلَ العلمى إلى زوجِها الفرنسى «بْيار كُورى»، لكنَّها دحضتْ ذلك، بإسهاماتِها الجليلة.
ثمَّ تعرضُها للإشعاعِ الذى أدى إلى إصابتِها بالمرضِ، ثمَّ وعقب الحرب العالمية الأولى، عكفتْ على معالجةِ ضحايا الحربِ والمُصابين.
هى حياةٌ مليئةٌ بالأحداثِ، غاصةٌ بالإنجازاتِ والتحدّياتِ، لامرأةٍ كانتْ باهرةَ الذكاءِ منذ الصغر، مثل والدِها أستاذ الرياضيات. حياةٌ ملأى، لا نستطيعُ، بالتأكيد، سردَها كاملةً، فالمقامُ لا يتسِّعُ.
كلُّ ذلك جعلَ منها مصدرَ إلهامٍ، ورمزا للتجاوزِ لكلِّ التحدّياتِ التى واجهتْها بقوةٍ، حتى حصولها على جائزةِ «نوبل» مرتيْن، كأوَّلِ امرأةٍ فى التاريخِ، لتبقى السيدةُ «مَارى كُورى» من الشخصياتِ المُلهمةِ فى تاريخِ البشريةِ كلِّها.
نتعلَّمُ من التاريخِ والماضى وقصصِ الأوائلِ المُلهمةِ، ونتمنى أنْ نرى فى مجتمعاتِنا العربية الاهتمامَ بالبحثِ العلمى وبالمعرفةِ وبالاختراعاتِ والاكتشافاتِ فى مختلفِ المجالات حتى نساهمَ فى بناءِ مجتمعاتِنا، معرفيا وعِلميا، مثلما نبنى الوعىّ ونلتزمُ بالأخلاقِ ونُعْلى من شأنِها فى المجتمع. فالعلمُ والأخلاقُ صِنْوَانٌ.
العلمُ ضرورةٌ فى المجتمعِِ للعملِ والإنتاجِ والتقدم، والأخلاقُ ضرورةٌ للتربيةِ والثقافةِ والفكرِ والوعى. العلمُ والأخلاقُ وجهانِ لعُملةٍ واحدةٍ، هى الإنسانية. لنأخذْ من الغربِ خيرَ ما فيه ونترك أَسوأَ ما فيه، ولنتعلَّمَ من المُلهمين!، فقد سبقَ أنْ أخذَ عنّا الغربُ، وغرفَوا منّا.
لنعتنِ بالأفكارِ لا بالأقاويل، لنهتمْ بالحقائقِ لا بالقشورِ، لنأخذَ مِن الآخرين خيرَ ما أنجزوا وقدَموا من علومٍ ومعارفَ وثقافاتٍ وفنون، واكتشافاتٍ.
لنكنْ الأمةَ العظيمة، لنكنْ خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للنَّاسِ، فعلاً لا قولاً، كما ذَكرَتْنا الدياناتُ وكَتبَنا التاريخُ. فنحنُ المنبعُ، والجذورُ. نحنُ أصحابُ الحضاراتِ الأصلية.
المَجدُ للأمةِ العربية.