بقلم:حبيبة محمدي
كثيرًا ما تُطرحُ بعضُ التساؤلاتِ، مثل: هل إشكالياتُ الثقافةِ هى مِن عُمق ِحياتِنا المجتمعية، ومِن صميمِ واقعِنا، أم هى فعلُ تنظيرٍ خارجى؟
قضيةٌ تناوَلها عميقًا «مالك بن نبىّ» (1905-1973م) المفكرُ الإسلامى الجزائرى، بل أحدُّ أعلامِ الفكرِ الإسلامى فى القرنِ العشرين، ورائدٌ من رُوّادِ النهضةِ الفكريةِ الإسلامية فى القرنِ العشرين.
وتقولُ بعضُ الدراساتِ التاريخية، عنه: ( يُمكن اعتبارُه امتدَادًا للمفكرِ وعالِم الاجتماع «ابن خلدون»، وهو من أكثرِ المفكرين المعاصرين الذين نَبَّهوا إلى ضرورةِ العنايةِ بمشكلاتِ الثقافةِ والحضارةِ).
هذا والمعروف أنَّ «مالك بن نبىّ» انتقلَ إلى الإقامةِ بجمهورية مِصر العربية الشقيقة إِبانَ الاستعمارِ الفرنسى، ومكثَ بها سنواتٍ، ولاقى محبَّةً وتقديرًا كبيريْن فيها.
وحسبَ الدراساتِ أيضا، فإنَّ «مالك بن نبىّ»، (قد تحلّى بثقافةٍ منهجيَّة، استطاعَ بواسطتِها أن يضعَ يدَه على أهمِّ القضايا فى العالَمِ العربى، فألَّف سلسلةً موسومة ب «مشكلاتُ الحضارة»، بدأها فى باريس ثمَّ فى مِصر والجزائر)، منها على سبيل المثال لا الحصر: (شروطُ النهضة، الطبعة العربية فى 1957). و(مشكلةُ الثقافة) 1959..
وكُتب أخرى كثيرة، ألَّفها «بن نبىّ»، تتخذُّ من جوهرِ النهضةِ، الحضارةِ، والثقافةِ، مضامينَ لها.
الثقافةُ بالنسبةِ للمفكرِ «مالك بن نبىّ» هى (نظريةٌ فى المعرفةِ، ومنهجٌ فى السلوكِ وطريقةٌ فى العملِ والبناءِ)؛ وتتشكلُّ المنظومةُ الثقافيةُ من تيماتٍ أساسية متعدّدة، منها الأخلاقى، والجمالى وغيرهما.
الثقافةُ فلسفةٌ، وهى تنبعُ من المجتمعِ وترتبطُ بالواقعِ، الثقافةُ سلوكٌ، وقد ربطَها بالحضارةِ أيضا- لا يتسِّعُ المجالُ لسردِ تفاصيلِ الموضوعِ كلِّه.
ورغم معايشتِه للحضارة الغربية، إلاَّ أنَّه نبَّهَ إلى ضرورةِ التمسكِ بالبيئةِ الأصليةِ للإنسانِ وفكرِه العربى الإسلامى، مع محاولةِ التطويرِ الذاتى.
لقد كان «مالك بن نبىّ» مفكرا استشرافيًا، وكانتْ أفكارُه ذاتَ أبعادٍ فلسفية وسوسيولوجية سابقة لزمانِها.
حيثُ كتبَ فى مؤلَفه «مشكلةُ الثقافة» عن التوّجهِ الغربى والعالَمى نحو الثقافة، والدورِ الذى لعبتْه العولمةُ فى هذا التوّجهِ، وعن أهميةِ التعايشِ بين الثقافاتِ المختلفة، مع وجوبِ احتفاظِ كلِّ مجتمعٍ بثقافتِه الخاصة، ومنها كمثالٍ، احتفاظُ مجتمعِنا العربى الإسلامى برؤيتِه الخاصة، بفكرِه وأفكارِه، وعدمُ الانصهارِ التامِ فى الفكرِ الغربى.
أرى أنَّ المفكرَ الجزائريَ الكبيرَ «مالك بن نبىّ» يحتاجُ منّا إلى إعادةِ قراءةٍ ودراسةٍ لأفكارِه وفلسفتِه، لأنَّه يُمثِّلُ جزءا هامًا من تراثِنا العربى الإسلامى.
هى دعوةٌ إلى إعادةِ الاعتبارِ إلى الأهميةِ الفكريةِ والثقافية له ولكلِّ النماذجِ مثلِه فى حياتِنا -اليوم- فى وطنِنا العربى!.