بقلم : مصباح قطب
أعرف أن سيلاً من الكتابات سينهمر من صباح اليوم فى نقد بيان الحكومة، وهناك مخزن ملىء بنوعية من الانتقادات المعروفة- والعقيمة- يتيح لكل كاتب من مرتاحى البال أن يسحب منه مجانا كيف يشاء، ليصف بيان الحكومة بأنه مخيب للآمال ومحبط ولم يقل متى سنشعر بثمار التنمية، وأنه لم يراع المواطن المطحون، ولم يتناول قضايا الفساد بجدية ولم يتطرق إلى صفر المونديال وتجاهل كذا وكيت وامتلأ بعبارات إنشائية وتكرارات لما سبق... إن مثل هذه النوعية من الكتابات لا تقدم ولا تؤخر، ولا أزعم فى المقابل أنى أبوالعلاء الذى سيأتى بما لم يأت به الأوائل، ولكن أدعو إلى أن يكون نقد بيان الحكومة عملا يتفق وأهمية هذه الوثيقة، يجب على الكتاب والساسة المعنيين، معارضين أو مؤيدين، أن يبذلوا الجهد المناسب لتقديم نقد يملأ العين ويشرح الصدر.. المنشطر كربا. نقد يمكن الإفادة منه. يمكن أن يتم بتجهيز قراءة إحصائية مقارنة، ودعوة شخصيات مثل أحمد جلال وجودة عبدالخالق وعلى المصيلحى وزياد بهاء الدين وجمهور مختار لمناقشة البيان. مبدئيا، سار الدكتور مدبولى فى صياغة بيانه أمس على نهج سابقيه إلى حد كبير وحشده بخليط من الكلمات الضخمة (الأمن القومى) والأفكار الكبيرة والإجراءات والسياسات والمشروعات والتمنيات والتحديات، واستخدم بكثافة عبارات ومفردات ذات إيقاع يفترض أن يكون إيجابى التأثير، مثل: المدن الخضراء والاستدامة ولن آترك فقيرا وحقوق الإنسان وأمن الطاقة والأمن المائى وبناء الإنسان والحفاظ على الهوية وتكافؤ الفرص والتأمين الصحى الشامل والإطار الفكرى للبرنامج والاحتوائى والإصلاح المؤسسى والصناعة التحويلية والشمول المالى... إلخ.
ومن معايشة عن قرب لكيف يُصنع بيان الحكومة فى مصر، أقول إنه يعتمد على ما يرد إلى رئيس الحكومة من بيانات الوزارات وهى ضفيرة من بعض الإنجازات والخطط والمشاريع الحالية والمقبلة والتمنيات والتستيفات، ويتم طبخ كل ذلك فى النهاية على أيدى بيروقراط. لهذا كنا ننتظر من أستاذ التخطيط العمرانى أن يقدم بيانا ذا هندسة مختلفة، يكون قصيرا بحيث يتراوح من 6 إلى 8 صفحات، ويبدأ بعرض موجز للأهداف القومية التى تعمل عليها الدولة كلها على الأجل الطويل- ومنها الحكومة التى لها أجل قصير فى النهاية- مثل حماية الأمن القومى...، وهى الأهداف أيضا التى ينص عليها الدستور ومواثيق الدولة وبيان رئيس الجمهورية بعد حلف اليمين، إلى جانب عرض موسع لسياسات وأهداف الحكومة وكيفية تمويلها وتنفيذها ومتابعتها وتقييمها.
مصر تفتقد إلى منهج لإعداد البيان منذ أربعين سنة، ونحن ننتظر من رئيس الحكومة المعمارى تبينيا لا مجرد بيان، فقد فارت النفوس بالغضب من النغم السارى، نغم الإصلاح الذى أشاد به العالم، حيث خارت من «نجاحه» البطون والأنفس.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع