الفقاعة العقارية تعنى حمى فى الإعلان عن مشاريع، وإنتاج الوحدات، وحمى بيع من الشركات للمستثمرين وللأفراد ومن الأفراد لبعضهم البعض، وحمى تمويل من البنوك وبلا تدقيق فى جدارة العميل، وحمى فى تضخيم الأسعار وقيم أسهم الشركات العقارية، ثم ينتج عن كل تلك الحميات انفجار كبير وثقوب سوداء فى الاقتصاد كله، وليس فى القطاع العقارى والتمويلى فقط.
بهذا المعنى لا توجد فقاعة عقارية فى مصر، رغم وجود آثار «حميات» من المشار إليها فى وضعنا العقارى الحالى، ومع ذلك فنحن نعانى عقاريا، لكن بصورة مختلفة عن العالم، حيث لدينا فعلا لا احتمالا «مفقوعة» عقارية، وليس فقاعة.. كيف؟
بدأ القطاع العقارى بزوغه الحديث منذ ما بعد موجة الإصلاح الاقتصادى مع البنك وصندوق النقد فى 1990 /1991 ومن وقتها حدث صعود وهبوط للقوى العقارية وللأسواق، لكن لم يظهر أثر عنيف لمراحل التراجع على الشركات العقارية- وسأشرح لماذا- ولهذا السبب يتوقع العقاريون أن يكون ما نشهده الآن هو مجرد تباطؤ مثل سابقيه، وبعده يعاود القطاع الانتعاش.
قد يكون العقاريون محقين، لكن توجد شواهد حدوث كساد عقارى حاد منذ تحرير العملة خاصة فى المدن المعروفة واضحة لكل ذى عينين. شرحت أسباب الكساد فى مقال سابق بعنوان (العقاريون وشىء من الخوف)، وجاء المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بعدها، ليؤكد أن مساهمة قطاعى العقار والتشييد والبناء فى الناتج بلغت 16.2% صعودا من 4.5% فى أوائل 2004، وأن 25% من الوحدات غير مستغلة، مع الإشارة إلى أن نسب الإشغال فى المدن الجديدة متدنية للغاية قياسا بالمستهدفات، ويوجد حاليا بيع أولى، أى حجز بمقدمات بسيطة وتقسيط طويل، ولا يوجد إلا القليل من البيع فى السوق الثانوية أو سوق تداول الوحدات فعلا، وهذا أكبر شاهد على وجود مشكلة تصريف.
لفت المركز أيضا إلى تأثير الدولة كمزاحم ودخول أموال ساخنة للقطاع وعوامل أخرى جعلتنا نشبه الصين فى فقاعتها التى انفجرت حتى 2016، وتمت مواجهتها بإجراءات حاسمة، منها تقييد حق الفرد فى أن يشترى أكثر من شقة، من خلال زيادة المقدم ليصل إلى 65% للوحدة الثانية، لمنع المضاربة، ولو اقترحنا هنا شيئا شبيها، فسيقولون اخرجوا من البلد، وطبعا لو قلنا يجب على المطور العقارى أن ينشر مستندات المشروع كاملة على موقعه، وألا يتقاضى أموال حجز بالزكائب، بل بتحويلات سيقولون اطلعوا من الكرة الأرضية كلها. المهم.
سوق العقارات مستقرة شكليا فى مصر، مهما عصفت بها العواصف لسبب بسيط أن العواصف لا تطال إلا الذين لا صوت لهم، وهم حاجزو الوحدات، سواء كانت سكنية فى أبراج أو فى كمبوند أو فى قرية سياحية أو حتى كانت الوحدة مقبرة، فبكل بساطة يحصل المطورون على أغلب التمويل من جيوب الحاجزين المصريين بالداخل أو الخارج، عبر عقود، لا مركز قانونى يعتد به لها، ودون أى تعهد بتعويضهم عن التأخير الذى يصل كثيرا لـ10 أو 15 سنة، أو عن التعسف أو الإخلال بالشروط، بينما يحصل المطور على شيكات من الحاجز محمية جنائيا، وإذا تعثر العميل فى سداد قسطين متتالين، سواء كان يشترى وحدة كاستثمار أو ليسكن فعلا، فهو يخسر الوحدة، ويخسر الكثير من القيمة الاسمية والفعلية لما دفعه، ولا يسترد المنقوص الذى له إلا بعد مرار.
صحيح توجد قلة من الأسماء التى لها مكانة معقولة ومصداقية، وهؤلاء لا يخسرون ساعة حدوث فقاعة/ بالونة، لأنهم عاقلون، ويعرفون ماذا يعملون- حسب حسين صبور شيخ هذه المهنة- وكل ما يحدث أن أرباحهم تقل فى المشاريع قيد التنفيذ.
لكن هناك موجة ضخمة من أمثال هؤلاء تنضم الآن، ومنذ أشهر، إلى أهل المفقوعة لبطء البيع الحقيقى الشديد. وهؤلاء نوعان: مشترٍ وحدة سكنية ليسكن بها، أو مصرى يعمل بالخارج، ويستثمر أمواله فى شراء وحدات ومحال.
يشكل الاثنان مصدرًا للأزمة.. يحوزون أعدادا هائلة من وحدات جاهزة أو شبه جاهزة أو مشتراة على ماكيت، وعندما تتراجع السوق ينتابهم الفزع للخوف من ضياع شقى عمرهم، بيد أنهم لا يملكون أداوت المطور العقارى التى تمكنه من ترحيل العبء إلى غيره. الأدوات التى منها: عقود وهمية – ماكينة إعلانية جبارة – مقرات فاخرة للبيوع–بنات قمرات زى الشربات للشرح والرد على الاستفسارات وتسليم العقود الوهمية للعميل بشياكة، واستلام الشيكات الحقيقية منه. لذا يبلع أولئك مجبرين علقم الأزمة فى حسرة وصمت وقهر.
صحيح قد يتغير الأمر بعد صدور قانون حماية المستهلك الجديد، متضمنا حق الجهاز فى متابعة عقود بيع الوحدات أو قطع الأراضى وعدم الإعلان إلا، بعد الحصول على رخصة بناء، لكن ما سيبقى أن وجود جمهور ضخم وفرط مفقوع وخسران الجلد والسقط من الممارسات العقارية الإجرامية، هو الذى يجعلنا لا نشعر فوقيا أنه لا توجد فقاعة عقارية.
هناك موجة إدراك عالمية واسعة لخطورة الانفلات العقارى وحبس وتجميد أغلب المدخرات فيه، وخطورة المضاربات العقارية على الاقتصاد والمجتمع، وستشهد الفترة المقبلة عملية حوكمة عالمية واسعة لهذا النشاط. يا رب توصل لنا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع