ترجع أهمية الدستور إلى أنه يشمل كل ما يتعلق بوجود الدولة ومقوماتها وعناصر تكوينها وطرق ممارسة السلطة فيها، ويقرر الحقوق والحريات العامة والضمانات لحمايتها، وينظم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
بدأت ملامح أول نص شبه دستورى بعد أيام محمد على، واهتم بالفصل بين السلطات، وساعد هذا النص على إنشاء أول مجلس شورى للنواب عام 1866.
أحد أهم إنجازات ثورة 1919 كان دستور 1923 الذى صاغته لجنة من ثلاثين عضواً، وقد قرر لأول مرة أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة لا يتجزأ منها شىء وحكومتها ملكية وراثية وشكلها نيابى، ونص على المساواة والمواطنة والحرية الشخصية، وأنه لا جريمة ولا عقوبة بدون قانون، وكذلك على حرمة المنازل والملكية وعدم التنصت على الرسائل والتليفونات إلا بالقانون، ونص على حرية الرأى والصحافة وتنظيم التعليم وإلزام المواطنين بالتعليم الأساسى ويكون مجاناً، ونص على حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، ولكنه أعطى الملك سلطة التصديق على القوانين التى يصدرها مجلس النواب وأعطى السلطة التنفيذية للملك فى حدود الدستور، وإذا رفض الملك التصديق على القانون أعيد للبرلمان، وإذا وافق بأغلبية الثلثين يكون سارياً، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، ولمجلس النواب أن يقيل الوزارة ولا يتم الاقتراض بدون موافقة البرلمان.
وقد حدث الانقلاب الدستورى الديكتاتورى الأول حين قرر إسماعيل صدقى بالاتفاق مع الملك على حل البرلمان ومجلس الشيوخ وإيقاف دستور 1923 وإعلان دستور 1930 الذى أعطى للملك الحق فى رفض القوانين التى يقرها البرلمان، وأن القوانين المالية تكون من سلطة الملك فقط، وكذلك حل مجلس النواب أو تأجيل اجتماعاته، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، والانتخابات تكون على درجتين الأولى اقتراع عام والثانية يجب أن يتوفر فيها شرط الكفاءة المالية.
وقد تلا ذلك انتخابات مجلس نواب مزورة لا تمثل الشعب، وخلال خمس سنوات استمر فيها دستور صدقى بدأت القلاقل وانتهت بغضب شعبى عارم أدى إلى رضوخ الملك وإلغاء دستور 1930 العودة إلى دستور 1923 وانتخاب الوفد.
وفى عام 1952، أصدر الضباط الأحرار إعلانا دستوريا بإلغاء دستور 1923 وتكوين لجنة من خمسين عضواً لإعداد دستور جديد عام 1954 ولكن مجلس قيادة الثورة رفض الموافقة على المشروع لأنه توسع فى الحقوق والحريات.
صدر دستور 56 الذى منع الحريات العامة والحقوق وأعطى كل شىء للسلطة التنفيذية، وبعد الوحدة مع سوريا صدر دستور 1958 المؤقت وبدأت سلسلة من الإعلانات الدستورية غير المنظمة، ثم صدر دستور مؤقت تغيبت عنه الديمقراطية عام 1964. وفى عام 1971 صدر دستور جديد صاغته لجنة من ثمانين عضواً، حدد إطار النظام السياسى وضمان الحريات، ولكنه عظم دور مؤسسة الرئاسة وأحال الكثير من المواد إلى القانون، مما أدى إلى انحسار الحراك السياسى. وفى عام 1980، تم تعديل مبادئ الشريعة الإسلامية لتصبح المصدر الرئيسى للتشريع، وإضافة التعددية الحزبية وفتح مدد الرئاسة، ما يعنى إمكانية بقاء الرئيس إلى وفاته ولكن السادات تم اغتياله فى العام التالى.
و فى عام 2005، أضيفت مادة تتيح لأكثر من مرشح الدخول فى معركة الرئاسة وإلغاء الاستفتاء على منصب الرئيس.
وفى عام 2007، حدث تعديل غريب على قواعد الترشح للرئاسة وكان الغرض منه إتاحة الفرصة لجمال مبارك للترشح مع تقييد المنافسين له.
ويتضح من التعديلات التى تلت دستور 1923 أنها كلها كانت تعديلات لإضافة مزيد من السلطات للملك أو للرئيس ولتعميق الديكتاتورية ومحاربة الحريات والحقوق والديمقراطية بصفة عامة.
وبعد ثورة 25 يناير وعلى عجالة صدر الدستور الأول الذى اختلف المصريون حول مقاطعة الاستفتاء عليه أو الذهاب للتصويت وكانت نسبة الحضور 32% وتمت الموافقة على الدستور بنسبة 64%. واحتوى على نصوص اعتبرها الكثيرون تحولاً إلى دولة دينية.
وبعد 30 يونيو تمت صياغة دستور جديد بواسطة لجنة الخمسين، والدستور كان فريداً من نوعه لأنه كان الدستور الوحيد منذ 1923 الذى توسع فى الحريات وأعطى سلطة أكبر لمجلس النواب واهتم بالصحة والتعليم وحدد مدة الرئاسة باثنتين فقط ووافق عليه الشعب بحوالى 98%. ولكن هناك البعض يرون أنه يعطى الحريات بأكثر مما يجب ويعتقدون أن تقليل الحريات وإعطاء سلطات أكبر للسلطة التنفيذية أفضل.
الآن قدم مجلس النواب مقترحاً بتعديل الدستور سوف يجرى عليه استفتاء ويجب أن تتاح الفرصة للمؤيدين والمعارضين لشرح وجهة نظرهم بحرية وعلى جموع المصريين أن يتوجهوا للصناديق للتصويت بما يمليه عليهم ضميرهم وقناعاتهم حتى لا ننتهى بدستور يتم تغييره بعد فترة قليلة كما حدث مراراً فى تاريخ مصر الحديث.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع