«على بلد المحبوب» كتاب بسيط فى أسلوبه، مهم فى مادته التاريخية، بقلم الأستاذ أحمد خيرالدين، المصرى المقيم فى واشنطن. الحكاية عن سفينة قديمة حملت جنودا وطافت العالم قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى، واشتراها طلعت حرب لبنك مصر عام ١٩٣٣ وسميت زمزم. وحملت السفينة ٢٥٠٠ حاج إلى الحجاز فى رحلتها الأولى. ثم انطلقت السفينة من الإسكندرية إلى نيويورك عام ١٩٤١ فى جو من القلق بسبب الغواصات والسفن الحربية الألمانية. ومرت السفينة فى قناة السويس ثم انطلقت، جنوبا، إلى رأس الرجاء الصالح، ثم إلى ميناء بيرنامبوكو فى البرازيل، حيث نزل جورج شلبى، أحد طلاب البحرية التجارية، لإصابته بالزائدة الدودية وأرسل إلى المستشفى. وصلت السفينة إلى نيويورك بعد أن قطعت ١٣ ألف ميل فى ٥٥ يوما، وكان على متن الباخرة ١٢٥ راكبا. ونقلت أيضا 5000 طن معظمها من القطن. وقال القبطان إن السفينة أطفأت الأنوار وأغلقت جهاز اللاسلكى، وقال إن تلك الإجراءات الوقائية بالرغم من أن مصر ليست فى حالة حرب مع ألمانيا إلا أنها حليفة غير محاربة لبريطانيا.
ونزل البارمان النوبى محمد صلاح لاستكشاف أنواع جديدة من الكوكتيل فى بارات نيويورك. وجورج شلبى نقل إلى مستشفى فى ريو دى جينيرو وصادق فتاة برازيلية ابنة مليونير برازيلى، وحين حانت عودة زمزم لتقف فى البرازيل اتفق مع أبو الفتاة أن يلتقيا فى البرتغال بعد انتهاء الحرب.
ومن البرازيل التحق راكبان، هما ديفيد شيرمان، مصور مجلة لايف الكبرى، وتشارلز ميرفى، الصحفى البارز فى مجلة فورتشن. ركبت من نيويورك ليليان، زوجة مبشر أمريكى، ومعها أطفالها الستة. وكان هناك أيضا ١٣٧ من المبشرين. وشحنت السفينة مواد زراعية وسيارات وآلات. وغادرت فى ٢٠ مارس، وتحدث الصحفيان مع الركاب وأسباب سفرهم ووجهتهم، وقال الكابتن ساخرا إن السفينة سوف تصطدم بالصخور حين رأى المبشرين البروتستانت يؤدون التراتيل فى ناحية والمبشرين الكاثوليك فى الناحية الأخرى، وكلاهما يحاول أن يرفع صوته فوق صوت الآخر.
واشتكى الركاب من الخدمة والأكل، وأمر الكابتن بطلاء شبابيك السفينة لمنع خروج الضوء، مما أثار خوف الركاب وقالوا إننا سفينة محايدة.
حدث هجوم على الباخرة فى منتصف الليل، وارتدى جميع الركاب، بمن فيهم الأطفال، سترات النجاة. وشاهد الصحفى تشارلز البارجة الألمانية التى أطلقت الصواريخ بوضوح. أرسل القبطان ببطاريته الصغيرة إشارات بأن سفينته محايدة. ووقف الطالب البحرى، محمد اللقانى، بجوار القبطان، وكان آخر من غادر السفينة، وساعد مساعدو القبطان المصريون الركاب على الخروج إلى زوارق النجاة.
ويحكى الكتاب كيف ركبت الأم وأطفالها الستة قارب النجاة، ثم انقلابه، وأحاطت قوارب الإنقاذ الألمانية بقوارب زمزم المتهالكة والركاب السابحين، وتم نقل الأطفال والنساء ثم الرجال، ثم ذهبوا لتفقد السفينة زمزم، وكان ثلاثة من الركاب إصابتهم كبيرة لكن لم يمت أحد. ونقل الألمان ملابس الركاب وحاجياتهم من قمرات زمزم. وبدأ علاج الركاب على سطح السفينة، وتأسف القبطان الألمانى لأنه ظن أن زمزم تساعد الحلفاء، ووضع الألمان قنابل فى زمزم لتفجيرها فغرقت. وخاف القبطان أن ضرب السفينة وبها أمريكان يدفع أمريكا لدخول الحرب، فكانت معاملتهم ممتازة على السفينة الألمانية، وتم نقل الباقين إلى سفينة صغيرة تسع ٣٥ شخصا ووضع فيها ٣٣٠، وكانت المعاملة صارمة والأكل غاية فى السوء.
وأخيرا رست السفينة الألمانية فى ميناء فرنسى تحت الاحتلال الألمانى ونزل الركاب جميعا. وأُعلن أن الركاب الأمريكان سوف يعودون إلى بلادهم عبر البرتغال، أما المصريون والإنجليز والكنديون فسيبقون تحت الاعتقال.
كتبت الصحف الأمريكية كثيرا عن زمزم وركابها، وكان منهم شخصيات عامة أو أبناء شخصيات معروفة، وأثار ذلك اهتماما كبيرا، ومن بين الركاب ابن الفنانة علوية جميل. على الناحية الأخرى كانت الصحافة المصرية مقتضبة فى نشر الأخبار، وكذلك البرلمان لم يُثر فيه موضوع غرق السفينة، وأرسلت الخارجية المصرية إلى الخارجية الألمانية تطالب بإرجاع المصريين وحفظ حقوق مصر بسبب إغراق الباخرة.
وفى عام ١٩٤٣ نقل بعض الأسرى المصريين إلى بلغاريا، ثم تركيا ووصلوا أخيرا إلى مصر. وتوفى اثنان من طاقم زمزم فى الأسر، ونقل رفاتهما إلى مقبرة ضحايا الحرب فى برلين، ونقش على قبريهما بالعربية «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وكُتب اسماهما ووظيفتهما بالإنجليزية. وهرب بعض الأسرى المصريين من المعتقل حين اقتربت قوات الحلفاء من المعسكر، وخرجوا إلى القرى المحيطة وعادوا على ظهر سفينة هولندية إلى بورسعيد، ولم يكن أحد فى استقبالهم فى مصر، وجد طاقم السفينة أنهم خصموا جزءا من مرتبهم، ولم يعتن أحد بهم، ونشر اليوزباشى حسن واصف فى روزاليوسف، فى ٢٣ نوفمبر ١٩٤٤، ما حدث لهم أثناء الاعتقال فى المعسكر الألمانى. أسباب ندرة الأخبار عن غرق زمزم فى مصر أحداث مهمة، منها فشل هروب عزيز المصرى، رئيس أركان الجيش السابق، إلى القوات الألمانية فى ليبيا، ثم اغتيال اللورد موين، وزير الدولة البريطانى، بواسطة الصهاينة فى القاهرة، ثم قتل رئيس الوزراء أحمد ماهر. ولم تكتب الصحف كثيرا عن زمزم بسبب الرقابة. ونشرت أخبار اليوم حكاية حسين، أحد عمال السفينة، عن تفاصيل ما حدث لهم. أما جورج شلبى، فقد حكى عن مذبحة اليهود فى ألمانيا فى مقالة فى فبراير ١٩٤٥ فى نصف الدنيا.
اتصل مؤلف الكتاب بـ«بوب شوستر»، الذى أعطاه أسماء وتليفونات بعض الناجين الذين كانوا أطفالا حينها، أو أبناء بعض الركاب، وأطلعه بوب على كتاب بالعربية نشر فى مصر كتبه صحفى الأهرام محمد كاظم، ولم يجد الكتاب فى مصر، لكن وجده فى مكتبة الكونجرس، ثم وجد كتاب قبطان السفينة الألمانية التى أغرقت زمزم مترجما للعربية.
اتصل الكاتب بـ«جانيت» التى كانت طفلة رضيعة على المركب وكانت لطيفة فى الحديث وحكت عن أيامها فى القاهرة ومدرستها فى هليوبوليس وخروجها من مصر أثناء حرب السويس وحياتها فى بيروت، وقالت إن أحد أفراد الطاقم المصرى التقط حذاءها الصغير بعد أن سقط فى الماء.
قصة مثيرة لسفينة مصرية لم يسمع بها أحد.
قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك