أكتب هذه المقالة من مدينة دنفر فى ولاية كولورادو الأمريكية حيث يعقد مؤتمر الخصوبة الأمريكى، والذى كنت أرأس إحدى ورش العمل فيه، وألقى محاضرتين. وفى هذا الأسبوع كانت هناك فرصة للتحدث مع الأطباء الأمريكيين من مختلف الولايات حول الوضع فى أمريكا وتأثيره على الشرق الأوسط عموماً ومصر خاصة.
أمريكا تشهد انقساماً حاداً حول سياسة ترامب فالولايات الساحلية فى الشرق والغرب ضد ترامب بشدة وولايات الوسط والجنوب تؤيد ترامب بشدة وقليل من الولايات متأرجحة. نظام التصويت الأمريكى يسمح بأن يفوز بالرئاسة من لا يحصل على أغلبية أصوات الشعب الأمريكى، وحدث ذلك عدة مرات منها الانتخابات الأخيرة التى فاز فيها ترامب وحصل على أقل بثلاثة ملايين صوت من منافسته.
ترامب هو أكثر رؤساء أمريكا تاريخياً الذى حدث فى إدارته تغييرات متكررة مصحوبة بفضائح، وهو أكثر رئيس هاجمته الصحف الكبرى فى أمريكا ووجهت له اتهامات خطيرة. يتمتع ترامب بكراهية وسخرية شديدة من قطاع كبير ويتمتع بشعبية كبيرة من الأمريكيين فى ولايات الوسط والجنوب لأن طريقة حديثه تمس شغاف قلوبهم، وتعيد إلى أذهانهم أن أمريكا العظمى فقدت أهميتها لأنها سمحت للقوى الأخرى بمنافستها، والتى تعتقد أن اتفاقات التجارة الحرة تضر بأمريكا، وأن أمريكا يمكن أن تستمر بلعب دور العسكرى الأول فى العالم ولكن ليس بالجنود الأمريكيين، وإنما بتكنولوجيا الأسلحة الأمريكية على أن يتم ذلك بمقابل مادى واضح يدفع مقدماً. ولأن لسان الرئيس الأمريكى مفلوت ويقول ما يعتقده بدون دبلوماسية أو استشارة فكلامه عن بعض رؤساء العالم فى الغرب مثل رئيس وزراء كندا وفى العالم الثالث مثل ملك السعودية كان جارحاً ولا يليق بلغة رئيس دولة عظمى.
ولأن سكان الساحلين الشرقى والغربى هم الأكثر تعداداً وهى معقل الابتكار والصناعة والمال والصحافة والفن والتكنولوجيا فهى تشعر أن ترامب لا يمثلها.
قرارات ترامب الاقتصادية برفع الجمارك على البضائع المستوردة خاصة من الصين ورفع البنك المركزى لأسعار الفائدة أدى إلى حرب اقتصادية كانت نتيجتها هبوط البورصة بشدة هذا الأسبوع. واختلفت الآراء حول فائدة أو ضرر فرض الجمارك على الاقتصاد الأمريكى. ولكن الاقتصاد الأمريكى منذ رئاسة أوباما واستمراراً مع ترامب فى حالة انتعاش مستمر ونسبة البطالة تنخفض إلى أقل نسبة.
ويخشى الأمريكيون من تدخل السياسة فى القضاء بتعيين أعضاء من اتجاهات سياسية فى المحكمة الدستورية. ويخافون مما يحدث فى تغيير نظام تقسيم الدوائر الانتخابية لصالح الجمهوريين.
هناك قطاع كبير من الطبقة الوسطى الأمريكية من البيض غير سعيد بمنافسة المهاجرين على وظائفهم. ويتخوفون من التغيير الديموجرافى فى أمريكا بسبب الزيادة الكبيرة من المهاجرين من أمريكا الوسطى والجنوبية وهؤلاء يؤيدون سياسة ترامب فى تحديد الهجرة. أما الليبراليون فى أمريكا فيعتقدون أن المهاجرين على اختلاف درجاتهم ساهموا مساهمة جادة فى بناء أمريكا اقتصادياً وثقافياً وعلمياً عن طريق الهجرة الكثيفة للعقول من العالم الثالث.
الشهر القادم تشهد أمريكا انتخابات التجديد للكونجرس والتجديد الجزئى لمجلس الشيوخ ونتيجة هذه الانتخابات سوف تكون حاسمة فى تحديد سياسة أمريكا فى العامين القادمين وفرص ترامب فى التمديد لفترة ثانية. احتمال سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ صعبة بالرغم من أن عندهم 48 عضواً من 100 عضو. وعندهم فرصة للسيطرة على مجلس النواب، ولكنها أيضاً غير مضمونة. إذا سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب لن يكون ترامب مطلق اليدين كما هو الآن.
بالنسبة للشرق الأوسط فزوج ابنة ترامب هو المسؤول الأهم عن سياسة ترامب تجاه المنطقة، ويريد أن ينهى مشكلة الشرق الأوسط واضعاً فى الاعتبار مصالح إسرائيل فقط وبطريقة لم تحدث مع أى رئيس أمريكى من قبل. الديمقراطية لا تعنى لترامب الكثير ومستعد إلى التعاون مع كل ديكتاتوريات العالم وعلاقته مع النظام السعودى قوية برعاية زوج ابنته. ولكن يبدو أن حادثة الصحفى السعودى فى تركيا قد تؤثر على العلاقات الأمريكية السعودية بسبب ضغوط الكونجرس والصحافة والشعب بما فى ذلك الجمهوريين. وظهر ذلك فى انسحابات كبيرة من المؤتمر الاقتصادى السعودى الضخم المسمى ديفوز الصحراء.
لم يحدث فى تاريخ أمريكا أن اعتمد رئيسها على مخاطبة الناس مباشرة وبصفة يومية بالتويتر وأثبت بطريقة قاطعة أن وسائل الاتصال الاجتماعى أصبحت هى الأقوى وهى المستقبل. وكانت عفوية ترامب سبباً فى كراهية قطاع أمريكى كبير وسبباً أيضاً فى إعجاب قطاع آخر به. لا استبعد أن تستمر سيطرة الجمهوريين على المجلسين بأغلبية أقل ولا استبعد إعادة انتخاب ترامب بعد سنتين.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع