تصادف وجودى فى الولايات المتحدة لحضور مؤتمر طبى فى وقت حادثة خاشقجى فى تركيا، ولن أتكلم عن الحادث نفسه وإنما أود أن أشرح قوة الإعلام وتأثيره وتناقضه حول العالم.
فى وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية مازالت الصحف والتليفزيون يلعبان الدور الأكبر والأقوى. وسائل التواصل الاجتماعى ليس لها نفس القوة والتأثير لأنها تعتمد أساساً على المعلومات التى تنشرها الصحف ويذيعها التليفزيون وكلاهما حر تماماً وعنده الوسائل والعلاقات مع المسؤولين على مختلف المستويات فتستطيع الحصول على معلومات سرية تنشرها بدون حذر، والقانون صارم فى حماية مصادر الصحف وعدم الإفصاح عنها.
الموضوع كان شهياً ومثيراً للأمريكيين ولا يزال التليفزيون والصحف يواصلان النشر بكثافة شديدة. وساعد على ذلك بخلاف بشاعة الحادث وكونه وقع فى مقر بعثة دبلوماسية أن الصحافة والتليفزيون الأمريكى المعادى فى أغلبه للرئيس ترامب وجد موقف الرئيس الأمريكى لا يتماشى مع موقف رجل الشارع ولا حتى الكونجرس بمن فى ذلك أعضاؤه الجمهوريون.
وضع الرئيس الأمريكى المكاسب الاقتصادية الكبيرة لأمريكا فى المقدمة، وحاول التقليل قدر الإمكان من أهمية الحادث، وقد وجد الإعلام الأمريكى فى ذلك فرصة ذهبية لمتابعة الحادث بقوة لأنه أيضاً فرصة للهجوم على ترامب. وقد خرج زعماء الحزب الجمهورى فى الكونجرس عن تأييد ترامب وأخذوا موقفاً شديد العنف، وطالبوا بمعرفة الحقيقة.
بعد ثلاثة أسابيع من الحادث مازال الإعلام الأمريكى مشتعلاً بتفاصيل الحادث، ويبدو أن أجهزة المخابرات الأمريكية القوية عندها معلومات ضخمة لم تفصح، ولذا يبدو ترامب متخبطاً فى تصريحاته، ولكنه فى النهاية سوف يرضخ لضغط الحقائق.
الإعلام التركى بالتأكيد لم يصبح حراً وإنما هو تابع للنظام بدرجات مختلفة وبالتالى فإن تسريبات الإعلام فى حقيقة الأمر ليست بسبب المهارة الصحفية وإنما هى فى معظمها تسريبات من النظام الحاكم ترتفع وتنخفض حسب رغبة الدولة وهى تعكس أساساً مصلحة تركيا فى ظروفها الاقتصادية الصعبة وذلك بإصلاح علاقتها مع أمريكا وربما وضع حد للعلاقات التى يشوبها التوتر والتنافس مع السعودية، وحيث إن الصحافة ليست حرة هناك، فوسائل التواصل الاجتماعى تأخذ حيزاً من الأهمية وفى حالة تركيا ليس كل ما يكتب على وسائل الاتصال يمثل الحقيقة، وهناك غموض وربما عدم دقة فى ما ينشر فى تركيا.
أوروبا كلها اهتمت بالموضوع وأعطته حجمه الطبيعى من وجهة نظر حقوق الإنسان وهو أمر يهم المواطن الأوروبى بعكس عالمنا العربى الذى مازال فيه موضوع حقوق الإنسان هامشياً.
الإعلام الخليجى عموماً لم يهتم بالحادث لأنه إعلام موجه بالكامل وفى هذه المواضيع ذات الحساسية لا يستطيع أن يعلق أو حتى يذيع أخبارا مؤكدة، باستثناء إعلام قطر الذى وجد فرصة سانحة للهجوم على السعودية ونقل ما تكتبه الصحافة العالمية وهو ما ينطبق على قنوات الإخوان فى قطر وتركيا. الإعلام السعودى صامت تماماً وكأن الموضوع لا يخصه.
الإعلام المصرى فى التليفزيون والصحف اتخذ موقفاً واضحاً بإهمال الأمر تماماً وكأن شيئاً لم يحدث فى الوقت الذى كانت فيه تليفزيونات وصحف العالم مشتعلة بأخبار الحادث. النتيجة المباشرة هى الثورة الكبرى فى وسائل التواصل الاجتماعى التى يتابعها ما يقدر بأربعين مليون مصرى بينما الصحف والمجلات جميعاً تطبع أقل من نصف مليون نسخة فنشرت هذه الوسائل التفاصيل الدقيقة لما كتب عن الحادث فى صحف العالم وبالتالى أصبح المواطن المصرى من أكثر مواطنى العالم معرفة واهتماماً بالحادث بينما صحفه وتليفزيونه غائبان تماماً. والحقيقة أن المقالات الصحفية وبعض الأخبار يقرؤها أضعاف مضاعفة من الناس على هذه الوسائل وليس فى الصحيفة الورقية ويشاهدها الناس بكثافة على اليوتيوب وليس على التليفزيون.
القضية ما زالت تشغل الرأى العام الأمريكى والعالمى بشدة برغم محاولات ترامب لتقليصها فى أضيق الحدود. واضح أنه لن يستطيع ذلك أمام آراء شديدة اللهجة فى الكونجرس وفى الصحافة وفى الشارع. ويبدو أن تداعيات ما حدث ستكون خطيرة وكبيرة على منطقتنا البائسة.
الخلاصة أن تغطية الحادث اختلفت فى العالم طبقاً لأهمية الإعلام وللحرية فى النشر والإذاعة وأهمية حقوق الإنسان بالنسبة للمواطن ونوعية نظام الحكم، وكان لمصالح الدولة الاقتصادية والسياسية عامل مهم فى توسيع النشر وتحجيمه إذا كان حيز الديمقراطية يسمح بذلك. والنتيجة أن النشر كان على أوسع نطاق فى أمريكا وأوروبا وكان متحيزاً فى قطر ومتذبذباً فى تركيا وتقريباً معدوماً فى المنطقة العربية لأسباب تتعلق بحجم حرية الإعلام المتاحة وبسبب علاقات اقتصادية ومصالح سياسية متشابكة بين الدول.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع