تنتمى نباتات الكينوا إلى مناطق السكان الأصليين فى أمريكا الجنوبية فى الإنديانا وجبال الإنديز، ويطلقون عليها هناك «أم الحبوب» المعروفة حاليا على اعتبار أنهم يؤمنون أنها الأقدم فى العالم من القمح والأرز والشعير والشوفان والذرة، بينما نعتقد نحن فى مصر أن زراعات القمح فى مصر هى الأقدم فى العالم ونقوشات الفراعنة شاهد على ذلك.
تتسم حبوب الكينوا بأنها الأغنى فى البروتين فى جميع الأصناف النباتية التى تؤكل، حيث يصل بها نسبة البروتين إلى 50%، بينما لا تزيد فى القمح وباقى الحبوب على 14% فقط فى أفضل الأحوال، كما أن نوعية البروتين والأحماض الأمينية التى تسود بالكينوا تنتمى إلى الأحماض الأمينية الأساسية للإنسان والتى من النادر أن تتواجد فى المصادر النباتية، ولكنها تتواجد فى المصادر الحيوانية، وبالتالى تعتبر الكينوا أملا كبيرا للنباتيين من البشر والذين يعانون من نقص الأحماض الأمينية الأساسية ذات المصدر الحيوانى. تتسم الكينوا أيضا بأنها أغنى من جميع الحبوب فى محتواها من الفوسفور والكالسيوم وال��ديد، بالإضافة إلى احتمالها للتخزين لمدة عشر سنوات فى حال تمام جفافها، وبالتالى يمكن أن يعتبر هذا الأمر حيويا فى الحروب الطويلة للجيوش، خاصة أنها غذاء متكامل.
وللكينوا مميزات كثيرة منها تحملها للنمو فى مختلف الأجواء شديدة الحرارة، وأيضا شديدة البرودة، وتحملها للزراعة فى المرتفعات الشاهقة، حتى أربعة آلاف متر فوق مستوى سطح البحر أو فى الوديان المنخفضة عن سطح البحر، كما تنمو جيدة فى الأراضى الرملية ومنحدرات الجبال والأراضى الهامشية صعبة الاستصلاح وصعبة الاستخدام فى الزراعة الاقتصادية، وتتحمل العطش كما تتحمل النمو على أقل مستويات الأمطار حتى لو انخفضت إلى 100– 200 مللى فى السنة، كما هو الحال فى أراضى الساحل الشمالى الغربى من الإسكندرية لمطروح والسلوم وأيضا فى شمال سيناء حتى رفح والعريش، كما تتحمل نباتات الكينوا الرى بمياه الآبار المالحة.
لا يمكن اعتبار الكينوا من الحبوب، ولكن يطلق عليها اسم الحبوب الكاذبة أو شبيهة الحبوب pseudo- cereal، فهى لا تحتوى على الجلوتين المهم فى العجين والخبير لمختلف المخبوزات، بل يعتبرها الباحثون أقرب للياميش والمكسرات منها للحبوب، ولا ينتج منها سكان أمريكا الجنوبية الخبز ولكن يتم طهوها مثل الأرز أو يتم عمل شبيه بالأكلة الشعبية المعروفة فى دول شمال غرب أفريقيا وإسبانيا المعروفة باسم «الكسكسى» سواء بإضافة الدمعة واللحم إليها فى تونس والجزائر والمغرب وإسبانيا أو بإضافة السكر واللبن والياميش إليها فى مصر والشام. ويعتبر خلو الكينوا من الجلوتين أملا كبيرا لأصحاب مرضى حساسية ضد الجلوتين فهو غذاء متكامل ولا يسبب لهم المتاعب الصحية، مثل باقى الحبوب.
ومن أخطر عيوب الكينوا احتواؤها على مادة الصابونين saponins ولا بد أن يتم نقعها لعدد من الساعات، مثلما نفعل مع الحمص والترمس واللوبيا والفاصوليا الجافة فى مصر ويتم تغيير مياه النقع عدة مرات حتى يتم ��لتخلص من هذه المادة المضرة بالجسم وأجهزته الحيوية. بعد ذلك قد تنقع حبوب الكينوا ذات الألوان الحمراء عادة وتلف فى أجولة مبتلة من الخيش لإنباتها ثم تستخدم فى مكونات السلطات لتعطى نكهة وطعما جيدا وإحساسا جديدا مثل «طرقعة البليلة والعاشورا والذرة السكرية تحت الأسنان» عند مضغها. وللكينوا أيضا استخدامات طبية وصيدلانية عديدة.
وتعتبر بوليفيا وبيرو والإكوادور هى كبرى الدول المنتجة والمصدرة للكينوا فى العالم وبأحجام قليلة للغاية، ولا تماثل التجارة العالمية فى الحبوب الثلاث الرئيسية فى العالم، وهى على الترتيب الأرز والقمح والذرة، إذ لا تزيد صادرات بوليفيا الدولة الكبرى فى العالم على 400 طن مترى، بينما صدرت الإكوادور نحو 304 أطنان. وتذهب أغلب هذه الكميات إلى الدول الصناعية الكبرى لاستخدامها فى الصناعات الصيدلانية، وأيضا فى إنتاج بعض المأكولات والمخبوزات الدايت للمواطنين ذات الدخل المرتفع والباحثين عن الرشاقة، ولكن لم يعرف عنها أبدا أنها استخدمت فى إنتاج الخبز وحدها أو حتى بالخلط مع القمح على نطاق اقتصادى، والأمر لا يتعدى الخلط لإنتاج بعض التوست والشرائح الخاصة بأصحاب طعام الرجيم والأغذية الغنية بالمعادن والفيتامين والمرتفعة الثمن.
الأمر فى مصر يختلف تماما، سواء لخلط طحين الكينوا والذى سينتج بعد مشقة كما سبق من نقع فى المياه وتغييرها عدة مرات ثم إعادة التجفيف والطحن لإنتاج الدقيق وهو ما يتطلب أحواضا وفراغات كبيرة للنشر والتجفيف، خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة تستهلك 16 مليون طن قمح سنويا، تستورد منها 12 مليونا.
ينتج فدان القمح من 2 إلى 2.5 طن (من 15- 18 إردبا)، بينما ينتج الهكتار (2.38 فدان) الكينوا طنا واحدا أى 420 كيلوجراما للفدان، ولم تنتقل زراعات الكينوا إلى أى دولة خارج أمريكا اللاتينية إلا حديثا وإلى دولة أفريقية واحدة وهى كينيا والتى نشرت بيانات رسمية تدعى فيها أنها استطاعت الوصول بإنتاجية الحبوب من الكينوا إلى 4 أطنان للهكتار أى نحو 1.6 طن حبوب للفدان أى أقل من إنتاجية الفدان فى مصر من القمح.
هذه الإنتاجية القليلة يعوضها السعر المرتفع للكينوا، حيث يصل سعر تصدير الكيلوجرام منها إلى 3.5 دولار، بينما لا يتجاوز سعر الكيلوجرام من فول الصويا أو القمح فى أفضل حالاته عن نصف دولار فقط للكيلوجرام. هذه الأرقام ليست بالمستديمة أو المطلقة، فدخول دول جديدة فى الإنتاج قد تتسبب فى تراجع كبير لهذه الأسعار، ولا بد من دراسة مسبقة للأسواق المستوردة وتقدير احتياجاتها بدقة من الكينوا ومعرفة هل الأسواق مشبعة حاليا بالمنتجين، أم تحتاج إنتاجا جديدا وما هو المتوقع من انخفاض الأسعار فى هذه الحالة.
لدينا العديد من الأراضى الهامشية فى الساحل الشمالى لمصر غربا وشرقا، ويمكن تجربة زراعات الكينوا فيها على الأمطار الشتوية القليلة هناك، وعادة ما يتم حصادها، مثل القمح خلال الفترة من أبريل إلى يونيو، ثم لدينا نحو 2 مليون فدان فى محافظة الوادى الجديد ذات آبار مالحة وتربة أيضا مالحة، ويمكن أيضا زراعة المحصول فيها، دون أن نتوقع أن تكون الكينوا بديلا للقمح، وإلا سبقنا إليها غيرنا، وانتشرت فى صناعة المخبوزات، مثلما هو الحال فى رغيف القمح أو الذرة أو الشعير أو الكسافا الأفريقية.
وفى هذا الإطار لا ينبغى أن ننسى أن لكل شعب نمطًا فى الغذاء لا نستطيع تغييره أو أننا نستطيع أن نطعم الشعوب على أذواقنا، فعندما حضر السوريون واللبنانيون إلى مصر صنعوا الفلافل على طريقتهم باستخدام الحمص بدلا من الفول المعتاد فى مصر، لم يقبل عليها الشعب المصرى، واضطروا إلى الرضوخ لنمط الغذاء فى مصر وتغيير الصنعة إلى الفول، وبالمثل أيضا فأهل الخليج اعتادوا أكل الأرز البسمتى طويل الحبة قليل النشاء، بينما اعتاد المصريون أكل الأرز المصرى قصير الحبة والغنى فى النشا، ولم يقبل المصريون على أكل الكسكس�� بالدمعة والخلطة واللحم، بينما اعتادوا أكلة بالسكر واللبن والمكسرات، بل إن حتى داخل الدولة الواحدة قد يختلف نمط الغذاء من مكان لآخر، فأهالى الدلتا والسواحل المصرية يعتادون على أكل الأرز فى الغذاء بجوار الخضروات المطبوخة، بينما يفضل أهالى الصعيد ومحافظات الجنوب المكرونة بجوار الطعام، وأيضا تنتشر أكل الأسماك فى السواحل المصرية على خلاف أكل اللحوم والدواجن فى المدن الداخلية، ويجب ألا ننسى أنه لا أحد فى العالم يأكل الكبدة ولا الحمام ولا السمك البورى إلا المصريون فقط، بخلاف عدد آخر من الأكلات ذات السمة المصرية.
الأرز والقمح ينتميان إلى فصيلة الحبوب والأرز هو الأكبر مساحة فى الزراعة فى العالم، ولكننا لا نطحن الأرز لأخذ طحينة فى تصنيع الرغيف، بينما نصنع الخبز من طحين القمح، رغم أن إنتاجية الفدان من الأرز ضعف إنتاجية الفدان من القمح! وفى حالات زيادة الفقر يكون الخبز البتاو من الحلبة والشعير والذرة الرفيعة، وهى محاصيل محافظات الصعيد ذات الأجواء الحارة الجافة، خاصة الذرة الرفيعة، مثلما أن الأرز من زراعات الشمال فقط، وليس الصعيد.
أمور ورسائل كثيرة وردت بين السطور، وأرجو أن تكون واضحة قبل التهور والدخول فى تجارب جديدة شبيهة بتجربة ميناء دمياط للحبوب والغلال وتصدير المستورد.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع