توقيت القاهرة المحلي 05:29:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الزيادة السكانية والتنمية.. أيُّهما أولًا؟!

  مصر اليوم -

الزيادة السكانية والتنمية أيُّهما أولًا

بقلم - نادر نور الدين محمد

لأن مصر تعيش على 7% فقط من مساحة أراضيها أى 70 ألف كيلومتر مربع فقط، بالإضافة إلى كونها دولة محدودة الموارد المائية وقليلة المياه الجوفية والأمطار وكذا التربة الزراعية، فإن الزيادة السكانية تمثل عبئا كبيرا على التنمية فى مصر. الفقر أيضا له ارتباط وثيق بالزيادة السكانية، وتصبح جهود الحد من زيادته طبقا لمبادئ الألفية الأممية الجديدة بالقضاء على الجوع والحد من الفقر عبئا على الدولة فى جميع المجالات. فالارتباط وثيق بين الفقر وتدهور التربة الزراعية وتراجع إنتاجيتها خاصة فى الملكيات الصغيرة والمزارع الأسرية بسبب استنزاف مغذيات التربة بالزراعات المتتالية والكثيفة دون تعويض التربة بالمغذيات والمخصبات اللازمة لتعويض ما امتصته المحاصيل المتتالية بسبب الفقر وعدم القدرة على شراء الأسمدة الكيميائية أو العضوية أو المركبة، على الرغم من كون الفقراء هم الأحوج للتربة الزراعية الخصبة والمستقرة لسد رمقهم ومتطلبات حياتهم إلا أنهم ينهلون ويستنزفون خيرها دون أن يعطوها حقها ولكن دون تعمد التقصير.

وبالمثل أيضا فالمنطق يقول إن الفقراء ينبغى أن يكونوا هم الأقل فى الإنجاب إلا أن الواقع يشير إلى أن الفقراء هم الأكثر إنجابا وأن الزيادة السكانية فى الريف تصل إلى ضعف مثيلاتها فى المدن والحضر، لأن الفقراء يسكنون الريف وربما يسكنون الريف لأنهم فقراء. هذا الأمر لا يعنى أبدا توجيه اللوم للفقراء أو تحميلهم مسؤولية نتاج فقرهم، لأن أمثالى جابوا كل المحافظات والقرى وعملوا فى جميع مشروعات استصلاح الأراضى فى الأراضى الصحراوية وجلسوا وتحدثا وناقشوا المزارعين فى القرى وتعرفوا على أمور غافلة عن صناع القرار أو كما يطلقون عليهم «بهوات مصر». قال لى أحد الفلاحين المخضرمين أنتم لا تفهمون ولا تفكرون ولا تريدون أن تفهموا يا بهوات لأنكم بعيدون عن أهل الريف فى بحرى أو فى الصعيد، وليس من الفقراء أمثالنا من يشارك فى صنع القرار أو يكون من الوزراء أو كبار المسؤولين لأن أولاد أمثالنا يرثون الفقر والفلاحة ويعايرون بفقر أسرهم وكأننا اخترنا الفقر بإرادتنا أو اخترنا السكن فى الريف لنعيش فى الهم والمعايرة وتحميلنا أسباب كل نكبات البلد. أمثالنا لا يمكن أن ينجب أقل من أربعة أو خمسة أبناء وهذا الإنجاب ليس عزوة كما يظن البهوات، لأن مُنى عيوننا أن يفارقنا ابننا إلى الخارج ولو كان الأمر عزوة ما حلمنا بأن يفارقونا. الأمر كلة يرتبط بعملنا فى الفلاحة التى تطحننا بالفقر فلو لم يكن عندى مثل هذا العدد من الأبناء لخسرت من مهنة الزراعة ولأقلعت عن الزراعة منذ زمن بعيد ولبارت كل أراضى الدلتا والوادى، فأمثالنا غير قادرين على دفع أجرة عمالة تعمل فى أراضينا الصغيرة ولكننا نعتمد على الأبناء ليعملوا معنا مجانا وبدون مقابل، ولو حسبنا أجورهم فى تكاليف الزراعة لكانت خسائرنا متتالية وفادحة. الأمر الثانى أن هؤلاء الأبناء وفى أوقات عدم وجود عمل فى أرض الأسرة يمثلون رأس مال متحركا للأسر الفقيرة لأنهم يذهبون للعمل فى أراضى الغير ويأتون بيوميات مالية تساعد الأسرة على المعايش، فأمثالنا ليس لهم دنيا مثل الأثرياء ولكن لنا الآخرة فقط وحتى هذه أيضا غير مضمونة لأن الأثرياء أكثر فعلا للخير من أمثالنا، وبالتالى فإن الفقر قدر نعيشه ربما دنيا وآخرة. أمثالنا من الفقراء نتلقى الاتهامات يوميا بأننا سبب خراب البلد بسبب كثرة الإنجاب وزيادة الدعم مع أننا نكاد لا نكلف الدولة شيئا فأغلب أبنائنا يتركون المدارس مبكرا بسبب عدم قدرتنا على تحمل مصاريفها القليلة ولحاجتنا لعمل أولادنا معنا أو مع غيرنا. ولو كان أصحاب القرار يهتمون بالتنمية وإنشاء المصانع وجعل الزراعة مهنة رابحة لتركنا أولادنا للتعليم وأصبحنا قادرين على استئجار العمالة من أرباح الزراعة، أو لجهزنا الأبناء للعمل فى المصانع التى نتوسع فيها كل يوم ليستقلوا بحياتهم وليخرجوا ولو نسبيا من دائرة الفقر. هل يعلم المسؤولون من بهوات مصر أن أبناءنا فى المدارس الحكومية لابد أن يذهبوا بكامل عددهم ليلا ويوميا إلى أساتذة المدرسة لأخذ الدروس الإجبارية ويا ويل من يتخلف حتى ولو كانت بمقابل زهيد ولكنها ليست فى قدرتنا، فيجنون على أبنائنا بسبب فقر أسرهم لأن البديل هو إخراجهم من المدرسة توفيرا لمصاريفها. المستشفيات فى الريف حدث ولا حرج والأغلبية يفضلون الموت فى بيوتهم عن الذهاب إلى المستشفيات التى لم تعد قادرة على استقبال أعداد المرضى كما أنه ليس لدى الدولة أموال لبناء مستشفيات مجانية جديدة وأمثالنا لا يعرفون العلاج الخاص. اذهب إلى أى قرية واسأل عن المساكن الشعبية التى تبنيها الحكومات المتعاقبة لأمثالنا كما تبنيها لأهل المدن الكبرى ولن تجد!! فيكون الحل أن يقتطع الفلاح من لحمه نصف قيراط (90 مترا) أو قيراطا (175 مترا) من أرضه ليبنى عليه بيتا ليستر أولاده، ولكن حتى هذا أصبح محرما علينا فلا هم يرحمون ولا يتركون رحمة ربنا. فالمخالفات تصبح بالآلاف وتحضر الهراسات واللوادر للإزالة والجرسة للفقراء فقط دون أن يفكر أحد فى توفير سكن بديل أولا للأسر التى سيزال بيتها الفقير كما يفعلون مع أهل البندر والحضر. هل تعلم يا حضرة البيه أننى إذا بنيت بيتا على قيراط واحد من الأرض ليكون على ثلاثة أدوار فى كل دور شقة صغيرة لا تزيد على 90 مترا مستقطع منها المناور والسلم فيسكن أبنائى الأربعة على دورين فى أربع شقق ويتبقى شقتان نؤجرهما، فهل تعلم كم تعطينا من عائد؟!، ليس أقل من 700 جنيه شهريا بمعدل 350 جنيها للشقة الواحدة بإجمالى 8400 جنيه فى السنة، فهل هناك قيراط ولا حتى فدان فى الزراعة يعطى عائدا خالصا سنويا بهذه الآلاف من الجنيهات، وهل حسبت الحكومة هذه الحسبة كما نحسبها أم أنها تمارس السلطة فقط والقرارات الصعيبة؟!، هل طورت الحكومة طرق زراعاتنا وأبدعت فى توفير التقاوى عالية الإنتاجية ليزيد دخلنا من الزراعة فنحافظ على الأرض لأنها أصبحت رأس مالنا وسبب عيشتنا المستورة والمجزية؟!، هل حمتنا من التجار الذين يربحون ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الفلاح من زراعته كربح صاف دون مشقة ولا زراعة ولا رى ولا رش ولا تسميد ولا ضم محصول ولا سولار ولا إيجار جرار أو درّاسة؟!. هل تعلم أن الأبناء من البنين هم المسؤولون فى الريف عن تجهيز مستلزمات زواج أخواتهم البنات وليس الأب؟! هل ترى كم المسؤولية الملقاة على شاب دون العشرين من عمره عندما يصبح أخا وآبا دون إرادته وهو مازال عودا أخضر بينما فى المدن وعند الأثرياء يجهز الأب البنين مثلما يجهز البنات!.

الدولة تظن أن الفقراء ينبغى أن يقللوا الإنجاب حتى تستطيع تدبير تكاليف التنمية، والفقراء يرون أن التنمية للحد من الفقر هى السبيل الوحيد لتقليل الإنجاب حيث لا حاجة إلى كثرة الأبناء ولكن الحاجة ستكون للحرص على تعليمهم بمستوى جيد بعد أن تصبح الزراعة مهنة رابحة، ووقتها يفخر كل منا بابنه المهندس والطبيب والعالم ولا نتوارث الفقر، فأبناء الفقراء سيكررون سلوك الآباء ولا مجال للخروج من الفقر وعيشة الكفاف إلا بالتنمية أولا فالأغنياء والمستورون لا ينجبون الكثير من الأبناء. نريد أن نرى المصانع بالالاف التى تظهر كل يوم وتستوعب أبناءنا ونريد التصنيع الزراعى والتصدير الذى يستوعب إنتاجنا بسعر مجز، ونريد تعاونيات من الشرفاء وليس ممن يتخذونها سبيلا للخروج السريع من الفقر وعلى حساب الفقراء فللأسف فى الريف الفقراء يسرقون الفقراء. نريد رخاء نشعر به ونريد شوارع فى القرى ووحدات صحية فاعلة وليست اسما فقط، ونريد ساحات رياضية وشققا سكنية.. بالمفيد يا سيدنا الأفندى نريد أن نشعر أن هناك من يهتم بالفلاح وبالريف وبالقرى وليس من يكيل لهم الاتهامات ولا التوبيخ ولا يمارس عليهم السلطة، فدخلنا من الزراعة لا يتجاوز 500 جنيه شهريا للفدان فماذا نفعل بها لولا عمل أولادنا واستغلالنا لهم بسبب الفقر، ولولا مواشينا ودواجننا بجهودنا الذاتية لكان الحال أشد قسوة. الطفل يا سيدنا الأفندى فى الريف والصعيد فى عمر عشر سنوات هو فى حقيقة الأمر رجل فى الخمسين من عمره، من كثرة ما عاشة من شقاء وحمل الهموم فلا طفولة لأبنائنا، وفى النهاية نحن المحقوقون بسبب كثرة الإنجاب وكأن هناك خيارا آخر!.

التنمية والزيادة السكانية ستظلان تلقيان التبعية على بعضهما البعض وكل منهما يعتقد أن الآخر هو سبب البلاء، فلو كانت هناك تنمية ما كان هناك فقراء معدمون، ولو كان هناك قلة فى الإنجاب لكانت هناك تنمية، والأمر يحتاج إلى فض اشتباك عاجل بتحقيق التنمية أولا والحد من الفقر فى الريف والنظر إلى أهل الريف بإنسانية وتقدير حقهم فى الحياة. والمنظمات العالمية تدعم التنمية الريفية كما تدعم ما تحتاجه من زراعة حديثة وزراعة ذكية ولا بد من التحرك بفهم.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزيادة السكانية والتنمية أيُّهما أولًا الزيادة السكانية والتنمية أيُّهما أولًا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon