بقلم - نادر نور الدين محمد
بنت إثيوبيا سدها العملاق على النيل الأزرق لاعتبارين، الأول سياسى والثانى اقتصادى. السياسى يتمثل فى البحث عن السيادة على دول شرق أفريقيا طالما أنها تتحكم فى حجم المياه، التى تضخها لكل دولة، وحاول السودان مساعدتها فى الترويج لذلك على حساب مصر ثم البحث عن السيادة الأفريقية بتواجدها ووساطتها فى المشاكل بين دول القارة، وهو أمر قد يكون بعيدا لضعف الاقتصاد الإثيوبى وعدم وجود الزعيم القدوة القادر على تجميع الدول الأفريقية حول مصالحها الاقتصادية والتصدى للتغلغل الأجنبى المستنزف لخيرات القارة تحت زعم الاستثمار الزراعى والتعدينى، نهبا لخيرات القارة.
الأمر الاقتصادى يتعلق بحلم إثيوبيا بأن تكون مركزا للطاقة النظيفة فى شرق أفريقيا وتقوم بتصديرها إلى دور الجوار، معتمدة على حسابات أعدتها منذ عشر سنوات بأن تكون مصر هى المشترى الأكبر للكهرباء المزمع توليدها من سد النهضة وربطها لحصول مصر على المياه بذلك بتصميمها للسد، بحيث لن تخرج المياه إلا من خلال فتحات توربينات توليد الكهرباء الست عشرة، وبالتالى فإن عدم وجود مشتر للكهرباء يعنى تشغيل نصف التوربينات أو ثلثها، وبالتالى تقل كميات المياه الخارجة. هذا الأمر بسبب القدرة الشرائية والاحتياجية الضعيفة لكل من السودان وجنوب السودان على شراء كهرباء إثيوبيا.
التوسع الضخم، الذى قامت به مصر خلال السنوات الأربع الماضية فى إقامة محطات توليد الكهرباء، محققة الاكتفاء الذاتى من الكهرباء وأيضا فائضا تصديريا يصدر إلى السودان والسعودية قد يكون سببا فى انهيار الجدوى الاقتصادية لبيع كهرباء سد النهضة ومعها أيضا أحلام تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا عبر مصر، حيث لم يعد لمصر مصلحة فى شراء الكهرباء الإثيوبية، وبالتالى فإن رسوم مرور الكهرباء فى الشبكة المصرية عند التصدير لأوروبا بالإضافة إلى الفاقد فى النقل عبر المسافة الطويلة من إثيوبيا إلى أوروبا ستكون داعيا جديدا لانهيار الجدوى الاقتصادية لسد النهضة ومعه مستقبل بناء السدود النهرية فى إثيوبيا. لن يتبقى لإثيوبيا إلا التفكير فى نقل الكهرباء داخليا إلى شعبها وهى التى تعمدت إقامة السد ومحطته الكهربية، بعيدا وعلى حدودها مع السودان بدلا من إقامة سدود صغيرة ومتفرقة وموزعة على طول النهر لتكون قريبة من التجمعات السكانية المتفرقة فى المدن والمرتفعات، وبالتالى فعليها إقامة شبكة ضغط عال عملاقة لنقل الكهرباء لمسافة 900 كم من سد النهضة وحتى العاصمة أديس أبابا والمدن المحيطة ببحيرة تانا وغيرها من مدن الريف الإثيوبى، ولو أرادت تصديرها إلى جارتها الشرقية دولة جيبوتى فعليها إضافة نحو 900 كم أخرى، أو إلى إريتريا فعليها إضافة أكثر من 700 كم أخرى من خطوط الضغط العالى داخل إثيوبيا لن تتكلف أقل من ثلاثة مليارات دولار تضاف إلى الخمسة مليارات ونصف المليار تكاليف إنشاء سد النهضة وتوربيناته من أجل أن تبيع الكهرباء المولدة بسعر يتراوح بين 8 – 12 سنتا أمريكيا للكيلوات/ ساعة بدون أى جدوى اقتصادية، سواء فورية أو على خمسين عاما قادمة. نفس هذه المسافات وأكثر ستجدها إثيوبيا إذا ما فكرت فى نقل كهرباء سد النهضة عبر خطوط الضغط العالى جنوبا عبر السودان الجنوبى بأراضيه الوعرة الغاطسة فى المستنقعات لتبيع الكهرباء إلى تنزانيا وأوغندا وكينيا وبالتالى فالأمر يحتاج من إثيوبيا إلى مراجعة شاملة فى جدوى وجود هذا السد الضخم وإذا ما كانت المتغيرات الاقتصادية تدفعها إلى تخفيض ارتفاعات السد الرئيسى والسد الفرعى إلى النصف وتقليل سعة تخزين المياه أيضا إلى النصف حفاظا على الاستقرار السياسى فى شرق أفريقيا وعدم إثارة المشاكل المائية مع مصر والسودان، والبحث عن توليد الكهرباء داخليا للشعب الإثيوبى عبر التوليد بالرياح أو بحرارة جوف الأرض والطاقة الشمسية أو حتى بالسدود الصغيرة المماثلة لسد تاكيزى بتخزين لا يزيد على 10 مليارات م3 أو ربما بالاعتماد على الانحدار الكبير للنيل الأزرق بما لا يستدعى وجود بحيرات تخزين للسدود الصغيرة فالانحدار من منبع النيل الأزرق فى بحيرة تانا عند منسوب 1830 م فوق مستوى سطح البحر، إلى مستوى 600 متر فقط عند الحدود السودانية يسمح بتوليد الكهرباء اعتمادا على الانحدار دون وجود سدود كبيرة مثلما هو الحال فى التقنيات والسدود اليابانية.
أستاذ الموارد المائية والأراضى
بجامعة القاهرة
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع