توقيت القاهرة المحلي 10:55:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فيلم «جعلونى مجرما»

  مصر اليوم -

فيلم «جعلونى مجرما»

بقلم: سيد محمود

فرح صديقى بابنته التى تخرجت هذا العام من قسم النحت بكلية الفنون الجميلة وبمشروع تخرجها الذى لفت الأنظار، لكنه استاء فى المقابل من تعليقات قرأها على مواقع التواصل الاجتماعى وبعضها لزملاء لها فى الكلية وكانت فى أغلبها سلبية، ومشكلة صديقى الكبرى أن التعليقات لم تقيم العمل وفق القواعد الفنية التى تنظر للنسب والمنظور أو حسب نظريات علم الجمال وطرق تلقى الفن المعاصر وانما كانت كلها تقييمات أخلاقية تشبه تفسيرات الراحل عبدالحميد كشك لأغنيات ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وينقصها فقط خفة دمه، وبعض التعليقات انتقدت الفكرة التى قادت فتاة لدراسة النحت باعتبار أنه «حرام» فى «حرام»، ونال الأب ما نال من شتائم لأنه سمح لابنته بدخول هذه الكلية التى تعلم «الكلام الفاضى».
ورأى مواطن آخر أن ما شاهده من صور نتيجة طبيعية لحركة تغريب استهدفت المجتمعات الإسلامية لإفساد شبابها وطمس هويتها.
ولم يتردد أحدهم فى تكفير الطالبة ودفعتها وأساتذتها وأهل بيتها الذين سمحوا لها بالأفراط فى تعرية التماثيل التى كان ينبغى سترها قبل عرضها على الناس. وتساءل أحدهم: «كان فين أبوها لما عملت التماثيل «دى» وذكرنى هذا التعليق بحوار شعبان عبدالرحيم مع خالد أبوالنجا فى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» وكان البعض بعد عرض الفيلم يظن أن الحوار نتاج أفكار نظرية مجردة أو تأويلات فانتازيا لجأ اليها صانعه المخرج الكبير داوود عبدالسيد وليس لها أصل فى الواقع.
وحقيقة الأمر أن الواقع أسوأ مما نظن، وهناك مئات الشواهد الدالة على ذلك ويسهل إدراكها فى تعامل المواطن العادى مع أى شأن فنى يرتبط بسلوك الفنانين أو طرق حياتهم وملابسهم وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعى فى الشهور الأخيرة الكثير والكثير الذى يمكن اتخاذه مؤشرا على حالة التردى العام التى زادت منها النزعات التحريضية التى تصنع (كتالوجا) واحدا لصورة المواطن الصالح وتعمل على تعميمها دون ان تمنحه فرصة واحدة للاختيار أو الاختلاف وإظهار صورة مجاورة أو مغايرة.
ويستحق واقع الفنون الجميلة فى مصر لدراسة حالة من باحثى مركز البحوث الاجتماعية والجنائية تفسر ما انتهى اليه واقعنا فى هذا الشأن، فقبل سنوات قرر عامل سكة حديد التبرع براتبه للمساعدة فى تنفيذ تمثال نهضة مصر فى حين أن حملة تبدو منظمة تستهدف باستمرار تماثيل النحت الميدانى وتعمل على تشويهها رغم أنف القانون وقبل عشر سنوات تقريبا كان قسم النحت فى كلية الفنون الجميلة مهددا بالإغلاق لأنه لم يجد طلابا لديهم الاستعداد للالتحاق به ومواجهة مجتمع التحريم الذى لا يؤمن أغلب أفراده بحرية الفنان ويردون أى عمل فنى لأصل واقعى ينبغى أن يتطابق معه بالضرورة، وأصبح أن من يقرأ رواية عن الحب يؤمن إيمانا تاما أنها سيرة ذاتية لكاتبها المختبئ وراء أبطاله ومن يقرأ قصيدة لشاعرة فيها إشارة للجسد يحلف مائة يمين أنها نتاج خبرة ذاتية تطارد صاحبتها إلى الأبد وأصبح العمل فى الفن مجرما أخلاقيا بشكل مطلق.
وقبل أسبوعين شاهدت فيلما ذكيا لا تزيد مدته عن نصف ساعة يضم مشاهد منتقاة من أفلام سينمائية مصرية جمعها التشكيلى والقاص علاء عبدالحميد تحت عنوان «جعلونى مجرما» وقدمها فى معرض بمركز التحرير الثقافى بالجامعة الأمريكية وكان خلاصة بحث طويل لصورة الفنان التشكيلى فى السينما المصرية ورغم طغيان الحس الكاريكاتيرى فى العينة التى اختارها الا أنها تؤكد أن الصورة النمطية للفنان البصرى التى رسختها السينما تغذى الاعتقاد بجرأته على اختراق المحرمات وارتكاب ما هو مشين.
ونتيجة لهذا التربص بالفن وبسبب ما يسميه إدوارد سعيد «القراءة الاستعمالية» للأدب لم تنج السنوات الأخيرة كلها من دعاوى مصادرة أو تحريض لكن دلالة الواقعة التى أتحدث عنها أن تأثيرها شمل طلاب كليات الفنون الذين أصابتهم «حمى» الخوف والاستقطاب واستسلموا للصور النمطية التى يصدرها مجتمع «الكتالوجات» عن الفن والفنانين وهنا الخطر الذى ينبغى التفكير فى طرق مواجهته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيلم «جعلونى مجرما» فيلم «جعلونى مجرما»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا
  مصر اليوم - بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon