بقلم - أشرف البربرى
التجارب البعيدة والقريبة للشعوب أكدت حقيقة واحدة وهى أن الشعب وحده هو القادر على حماية الدولة والحفاظ عليها من الانهيار والتفكك، فقديما لم يستطع الجيش الأحمر السوفيتى أحد أقوى جيشين فى العالم ومعه الحزب الشيوعى صاحب التشكيلات والتنظيمات الأفقية والرأسية إنقاذ الدولة السوفيتية من التفكك بسبب افتقادها للشعب الموحد المؤمن بهذه الدولة والراغب فى الحفاظ على هذا الكيان الإمبراطورى. والآن رأينا كيف فشل الجيش العربى السورى فى الحفاظ على الدولة السورية التى تفككت وتنازعتها القوى الداخلية والخارجية، لأن النظام السورى بحزبه وأجهزته وعلى مدى عقود فشل فى توحيد الشعب على مفهوم الدولة الجامعة لأن هذا النظام نفسه اعتمد على الطائفية فى تثبيت سلطته. وما حدث فى سوريا تكرر فى العراق وفشل الجيش الأمريكى نفسه فى الحفاظ على الدولة العراقية الموحدة بعد غزو العراق، ومن قبله فشل جيش صدام حسين ومعه حزب البعث فى توحيد الشعب بحيث تبقى الدولة إذا ذهبت المؤسسات أو تفككت.
وفى ليبيا عندما شوه نظام العقيد معمر القذافى مفهوم الدولة لدى الشعب الليبى الذى توزع بين القبائل والجهات، حتى إذا جاءت ساعة الاختبار وانهارت قبضة القذافى القوية لم تجد الدولة الليبية الشعب الذى يحافظ عليها وإنما وجدت مجموعة من القبائل والجماعات المتصارعة، فكان الانهيار الذى تعيشه ليبيا حتى الآن.
فى المقابل فإن الشعب المصرى عندما استشعر الخطر يهدد وجود الدولة المصرية نتيجة تفشى الفساد السياسى والاقتصادى ورغبة نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى تحويل مصر إلى جمهورية موز يتم توريث حكمها لنجل الرئيس وحاشيته، نزل الشعب إلى الشارع وأطاح بنظام الحكم وأبقى على الدولة. وعندما حاولت جماعة الإخوان اختطاف الدولة المصرية والالتفاف على مبادئ وأهداف ثورة 25 يناير العظيمة عاد الشعب إلى الشارع مرة أخرى وأطاح بحكم الجماعة من أجل الحفاظ على الدولة وحماية أهداف ومبادئ الثورة.
وما حدث من الشعب المصرى حدث مع الشعب فى تونس الذى أطاح بحكم زين العابدين بن على وأبقى على الدولة التونسية رغم كل ما واجهه من مصاعب وتحديات سياسية واقتصادية وأمنية.
إذن من يريد الحفاظ على الدولة وحمايتها عليه أن يراهن على الشعب، وليس على أى تنظيمات أو كيانات مهما كان شكلها، ومبررات تشكيلها، فالتجارب أوضحت كما قلنا أنه لا الحزب الواحد الحاكم ولا المجالس العليا ولا اللجان المركزية قادرة على حماية وجود الدولة إذا لم يكن الشعب يؤمن بهذه الدولة ومستعد للتضحية بالغالى والرخيص من أجلها.
هذا الإيمان والاستعداد للتضحية لن يتحقق إذا لم ير الشعب أن القائمين على أمر هذه الدولة ومن معهم من السياسيين والإعلاميين يحترمونه ويعترفون بحقه فى الاختيار الحر، وعدم إهانة هذا الشعب، تارة باتهامه بأنه غير مؤهل للديمقراطية وأنه أقل من شعوب عشرات الدول التى سبقته على طريق الديمقراطية والحكم الرشيد، وتارة بالقول إنه لا يملك أى بديل مناسب لمن يحكمونه، رغم أن كل هؤلاء الحكام من أبناء هذا الشعب ومن نبت أرضه، وهو ما أكده الرئيس السيسى الذى اعتبر الشعب هو البطل الحقيقى.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع