بقلم - أشرف البربرى
أبسط متابعة لمواقع التواصل الاجتماعى، ستكشف الأزمة التى أوقعنا فيها بعض المسئولين عن صياغة السياسة الإعلامية نتيجة التوسع فى المنع والحجب، وتدجين وسائل الإعلام الرسمية سواء كانت حكومية أو خاصة بحيث أصبحت كل هذه الوسائل على تعددها مجرد نسخة مكررة بصورة لم تشهدها مصر منذ عودة الإعلام الخاص قبل نحو عقدين من الزمان.
فبعد أن كان محتوى وسائل الإعلام الرسمى، الخاصة أو الحكومية، يفرض نفسه على مستخدمى مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعى الذين يعيدون نشر ما يرونه مهما أو معبرا عنهم على صفحاتهم، لم يعد الجمهور يجد مثل هذا المحتوى الذى يستحق إعادة النشر، فكان خياره المنطقى، والخطير فى الوقت نفسه، هو إنتاج المحتوى الذى يراه معبرا عنه سواء كان هذا المحتوى أخبارا لا يجدها فى الإعلام الرسمى، أو مقالات تم قطع الطريق على نشرها أو حتى مواد مسموعة ومصورة «صناعة منزلية».
هذه المواد، غير الخاضعة لأى تدقيق ولا حسابات مهنية ولا حتى قانونية، باتت تحقق انتشارا أسرع من انتشار الإعلام الرسمى، دون الحاجة إلى نشرها على الصفحات ذات ملايين المتابعين ولا المواقع المؤسسية التى يمكن أن تقع تحت ولاية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. فالصفحات الشخصية على موقع فيسبوك على سبيل المثال والتى يقل عدد متابعيها عن 5000 متابع تكفى لتحقيق انتشار هائل للمواد الإعلامية غير الرسمية لأن طبيعة الموقع تقوم على تسلسل الانتشار من مستخدم إلى آخر.
معنى هذا أن الحكومة حاصرت القنوات الإعلامية المنظمة، وقلصت مصداقيتها، وفرضت الكثير من القيود على ما تقوله وما لا تقوله فانصرف عنها الناس ولجأوا إلى «الإعلام الموازى» الخارج عن أى سيطرة.
المأساة أن بعض صناع السياسة الإعلامية يتخيلون أن عدم نشر خبر، أو معلومة ما، فى الإعلام الرسمى، يضمن عدم وصوله إلى الناس، مع أن العكس بات هو الصحيح، فنشر الخبر بالقواعد المهنية، والحديث عن واقعة بطريقة منضبطة فى الإعلام الرسمى، يقلص فرص انتشار الصيغ المحرفة منه، وربما يقلص فرص انتشاره على نطاق أوسع عبر مسارات الإعلام الموازى الخارجة عن السيطرة.
نشر الخبر أو الرأى عبر صحيفة أو قناة تلفزيونية، مهما كان مثيرا للجدل، يعنى تجريد قنوات الإعلام الموازى من فرصة استغلال العبارة السحرية «اقرأ الخبر الذى لم تنشره وسائل الإعلام» أو «المقال الممنوع من النشر» وهى العبارة الكافية لكى تجعل انتشار الخبر أو المقال عبر وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها من قنوات الإعلام الموازى أقوى من انتشار النار فى الهشيم.
ثم إن السماح لوسائل الإعلام الرسمية سواء كانت حكومية أو خاصة بالاشتباك مع أى قضية مطروحة على أجندة الرأى العام وتغطية أى واقعة حدثت بالفعل، يضمن للدولة تغطية منضبطة واشتباكا وفقا للقواعد المرعية، وفى الوقت نفسه يقطع الطريق على انتشار تغطيات محرفة أو صياغات مملوءة بالتوابل لهذه القضية أو الواقعة عبر «الإعلام الموازى».
أخيرا، فإن إعادة النظر فى السياسة الإعلامية وتخفيف القيود المتزايدة على وسائل الإعلام الرسمية هى أفضل وسيلة لحماية الرأى العام من التضليل والإثارة وليس العكس كما يعتقد بعض القائمين على إدارة السياسة الإعلامية فى البلاد حتى الآن.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع