بقلم : أشرف البربرى
فكرة الجباية المسيطرة على الحكومة فى مصر وصلت إلى مستويات تتجاوز المنطق والعقل، ولا تحقق أى مردود اقتصادى حقيقى يشعر به المواطن اللهم إلا كلام المسئولين عن المؤشرات الإيجابية للمالية العامة ممثلة فى انخفاض عجز الميزانية أو تحقيق فائض أولى أو زيادة الموارد المالية للخزانة العامة دون أن يقولوا لنا هل كانت الزيادة نتيجة حصيلة الضرائب والرسوم على الأنشطة الاقتصادية التى تحقق قيمة مضافة للاقتصاد، ولا تمثل عبئا على المواطن، أم أنها حصيلة الرسوم والضرائب المباشرة التى يدفعها المواطن المطحون كلما اجبرته الظروف على التعامل مع أجهزة الدولة بدءا من رسوم شهادة الميلاد وانتهاء بشهادة الوفاة.
لم أكن أتوقع أن يصل عبث الجباية فى بر مصر إلى درجة فرض ضريبة قيمة مضافة على رسوم يدفعها المواطن مقابل الحصول على ورقة أو خطاب موجه من جهة حكومية إلى جهة أخرى، دون أن يرتبط الحصول على هذا الخطاب أى خدمة ملموسة، لكن هذا هو الحال. فحصول المواطن على خطاب من جهاز أى مدينة جديدة موجه إلى شركة الكهرباء مثلا لتركيب عداد يحتاج إلى دفع ضريبة قيمة مضافة بنسبة 14% من رسم الحصول على الخطاب، والحصول على خطاب موجه إلى شركة المياه يحتاج إلى دفع ضريبة مماثلة. وإذا أراد المواطن استخراج بيان نجاح من الإدارة التعليمية عليه أن يدفع رسم الحصول على هذا البيان ثم ضريبة القيمة المضافة.
وهنا يظهر سؤال مهم، ما هى القيمة المضافة فى عملية إصدار خطاب من جهة حكومية إلى جهة أخرى؟، وما هى القيمة المضافة فى إصدار بيان نجاح لطالب فى المرحلة الإعدادية حتى يتم فرض ضريبة عليها؟. وإذا كانت الحكومة ترغب فى الحصول على مزيد من الأموال من جيب المواطن البائس الذى لا يملك الاعتراض على هذه القرارات ، فلماذا هذه المسميات التى لا أرى فيها إلا العبث؟.
بحسب تعريف موقع «إنفستوبيديا» فإن «ضريبة القيمة المضافة هى ضريبة استهلاك تفرض على أى منتج فى كل مرحلة من مراحل تداوله والتى تضاف فيها قيمة إليه، فيتم فرضها عند بيع المادة الخام إلى المصنع، ثم يتم فرضها عند بيع المنتج من المصنع إلى تاجر الجملة، ثم عند بيعه إلى تاجر التجزئة وأخيرا عند بيعه إلى المستهلك الذى يستخدم هذا المنتج ويتحمل إجمالى الضريبة التراكمية التى تم فرضها فى كل المراحل». فأين هى القيمة المضافة فى خطاب الكهرباء أو المياه، أو بيان النجاح لكى يتم فرض هذه الضريبة عليه؟
ورغم أننى لست خبيرا اقتصاديا ولا أحيط علما بالنظم الضريبية فى العالم، ورغم أن ضريبة القيمة المضافة مطبقة فى 166 دولة بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، فإننى لا اعتقد أن فرض ضريبة على الضريبة أو رسوم على الرسوم هو من الأمور المقبولة عقلا ومنطقا.
ثم إن رهان الحكومة المصرية على مدى السنوات الثمانى الماضية على منطق الجباية الذى يستهدف بشكل أساسى المواطن المطحون لم يحقق أى نتيجة اقتصادية إيجابية حقيقية، وإنما العكس هو الصحيح. فالإنجازات الاقتصادية التى يتحدث بها المسئولون، وتشيد بها المؤسسات الدولية المعنية أساسا بحماية مصالح الدائنين لدى الدول المدينة مثل مصر، ليس لها انعكاس ملموس على حياة المواطن المصرى مهما كانت طبقته الاجتماعية والاقتصادية، بعد أن طالت المعاناة الجميع.
أخيرا، إذا كانت السياسات الاقتصادية للحكومة لم تحقق حتى الآن مردودا حقيقيا بالنسبة للمواطن الذى يفترض أن يكون تحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية هو الهدف الأساسى وربما الوحيد لهذه السياسات، فعلى الحكومة إعادة النظر فيها، وفى القلب منها سياسة الجباية التى لا تستنزف فقط قدرات المواطن المالية وإنما تشعره بالقهر وفقدان الحيلة.
أشرف البربرى