بقلم - أشرف البربرى
نظرة واحدة على مخصصات التعليم فى مشروع موازنة العام المالى الجديد 2018 /2019 الذى أقره البرلمان قبل يومين تكفى لإثارة شكوك قوية فى جدية الحديث الحكومى عن الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم فى البلاد، لأنه «حديث بلا تمويل».
فإجمالى مخصصات قطاع التعليم فى مشروع الموازنة الجديدة يبلغ نحو 115.6 مليار جنيه، مقابل 107 مليارات جنيه فى العام المالى الحالى بزيادة اسمية قدرها 8.6 مليار جنيه أى بنسبة 5%، فى حين أن معدل التضخم المستهدف فى العام المالى المقبل هو 13%، وهو ما يعنى انخفاض القيمة الحقيقية لمخصصات التعليم خلال العام المالى الجديد بنسبة 8% عن العام المالى الحالى.
إذن لغة الأرقام تقول إن الحكومة تملأ الدنيا ضجيجا عن خطط إصلاح التعليم وتطويره، فى حين أنها لم توفر التمويل المطلوب لتنفيذ هذه الخطط، وهو ما يعنى أن عملية إصلاح التعليم أشبه بمحاولة تشغيل برامج وتطبيقات الجيل الخامس للتليفون المحمول (5 جى)، مع تليفون أرضى قديم أو على أحسن الفروض مع تليفون محمول عتيق ماركة «نوكيا 3310» أو «إريكسون 688» من عصر ما قبل «الآيفون» و«الأندرويد».
للأسف الشديد ما قرأناه من أرقام فى مشروع الموازنة العامة الجديدة، وما نراه من إصرار على بدء تطبيق نظم التعليم الجديدة بدءا من مرحلة رياض الأطفال وصولا إلى تغيير نظام الثانوية العامة اعتبارا من السنة الدراسية الجديدة، يؤكد أن الحكومة اختارت، وكما هى عادة كل الحكومات، الإصلاح الشكلى غير المكلف والذى لا يدفع ثمنه إلا المجتمع والأسرة والطلاب دون أى مردود حقيقى على مستوى الطالب ولا كفاءة الخريج.
والحكومة التى تردد ليل نهار أنه «لا إصلاح بدون ثمن» عندما يتعلق الأمر بما يتم فرضه على المواطن من ثمن وما يتحمله من أعباء، هى نفسها التى تريد «إصلاح التعليم بدون ثمن»، فتصر على تغيير نظام التعليم فى البلاد، بدعوى تطويره، دون أن توفر التمويل اللازم لضمان نجاح النظام الجديد، سواء من خلال توفير البنية التحتية المطلوبة من فصول دراسية ومعامل وشبكات معلومات، أو من خلال سد العجز فى أعداد المدرسين ورفع كفاءتهم حتى يمكنهم «تشغيل النظام الجديد».
الأرقام التفصيلية لأوجه إنفاق مخصصات التعليم لا تشير إلى أى تحسن محتمل فى البنية التحتية للنظام التعليمى سواء أكانت حجرا أو بشرا. فمخصصات الأجور زادت من حوالى 84.1 مليار جنيه فى العام المالى الحالى إلى 89 مليار جنيه فى العام المالى المقبل. وإذا عرفنا أن الحكومة قررت زيادة أجور العاملين فى الدولة بنسبة 10% تقريبا، فهذا يعنى أنه لا توجد أى فرص حقيقية لزيادة أعداد المعلمين وسد العجز فى المدارس. كما أن أرقام الاستثمارات غير المالية (الاستثمارات) التى تبلغ فى موازنة العام المقبل 15.2 مليار جنيه مقابل 13.7 مليار جنيه، مع معدل تضخم يقدر بـ 13% تقول إنه لا توجد فرصة حقيقية لتطوير المدارس وتجهيزها من أجل توفير متطلبات الاستفادة من النموذج الفنلندى أو السنغافورى أو اليابانى أو حتى الهندى فى التعليم، كما تقول الحكومة.
إذن تجاهل الحكومة لتوفير التمويل اللازم لتطوير التعليم باعتباره قاطرة النهضة الحقيقية، يعنى ببساطة الحكم على خطط الإصلاح والتطوير بالفشل قبل أن تبدأ، مهما كان إخلاص القائمين على هذه الخطط والداعمين لها وصدق نواياهم لأنه لا «إصلاح بدون ثمن» كما تقول الحكومة.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع