بقلم: أشرف البربرى
شهادة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، وقراءة مؤشرات الاقتصاد الكلى، تقول إن الاقتصاد المصرى يحقق نجاحات كبيرة، ولكن الواقع الذى تعيشه قطاعات كبيرة من الشعب لا يعكس هذه النجاحات وربما يشير إلى العكس.
بالطبع فإن التباين بين شهادات المؤسسات الدولية ومؤشرات أداء الاقتصاد الكلى من ناحية، وحقائق الواقع المعاش من ناحية أخرى، قد لا يقلل من قيمة ما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادى من نجاحات على صعيد خفض معدل التضخم واستقرار سوق الصرف والسيطرة على عجز الموازنة.
فى المقابل فإن تدهور الأوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من الناس يجب أن يكون بمثابة إشارة إلى ضرورة إعادة النظر فى بعض السياسات التنموية التى تتبناها الحكومة خاصة وأن الواقع يقول إن بعض هذه السياسات لم تحقق الهدف المنشود وربما أدت إلى عكس ما هو مطلوب.
وإذا سلمنا بما يقوله البعض من أن بعض الإصلاحات الاقتصادية مثل تحرير سعر الصرف والخفض المتكرر لدعم الطاقة والخدمات العامة كانت وما زالت حتمية، رغم ما سببته من معاناة للكثيرين، فإن بعض السياسات الخاصة بمجالات أخرى تحتاج إلى إعادة النظر فيها، إما لأنه ثبت عدم جدواها أو لأنها أدت إلى نتائج سلبية.
ويأتى تركيز الدولة على القطاع العقارى، كقاطرة للنمو، فى مقدمة السياسات المطلوب إعادة النظر فيها، بعد أن أظهرت الحقائق أن هذه السياسات لم تؤد إلا إلى تجميد عشرات وربما مئات المليارات من الجنيهات فى هياكل خرسانية غير مستغلة، وغابات أسمنتية بلا حياة، سواء كانت أموال المواطنين الذين يواصلون شراء العقارات كأداة ادخار وليس لتلبية الحاجة إلى السكن، أو كانت أموال الشركات والبنوك التى يتم استثمارها فى هذا المجال، جريا وراء عائد مرتفع ومضمون وسريع نسبيا.
فى الوقت نفسه، فإن كل هذه المشروعات العقارية لم تؤد كما يفترض إلى توفير المسكن لمن يحتاجه، ولا إلى خفض أسعاره، وإنما أدت إلى العكس، فشقة الإسكان الاجتماعى التى كانت توفرها الحكومة عام 2014 بسعر 100 ألف جنيه تقريبا وصل سعرها الآن إلى نحو 200 ألف جنيه، وشقة الاسكان المتوسط التى طرحتها الحكومة عام 2015 بسعر 4000 جنيه للمتر، طرحتها بعد ثلاثة أعوام تقريبا بنحو 7000 جنيه.
السياسات الحكومية جعلت الاستثمار العقارى أحد أكثر الأنشطة الاقتصادية ربحية اعتمادا على المضاربة وجذب الباحثين عن أداة ادخار وليس الباحثين عن مسكن يعيشون فيه، كما أصبح الأكثر جذبا للاستثمارات على حساب قطاعات حيوية أخرى، وهو ما نراه فى اتجاه أغلب المجموعات الاقتصادية الصناعية العملاقة إلى الدخول للمجال العقارى رغم أنه أبعد ما يكون عن مجالات عملها الرئيسية.
الآن، وقد أظهرت الأرقام الرسمية وغير الرسمية أن «غابات الأسمنت» والتوسع فيها جاء على حساب العديد من المجالات التى كان يمكن أن يؤدى الاستثمار فيها إلى تحسين أوضاع المواطنين، هل نطمع فى أن تعيد الحكومة النظر فى هذه السياسات، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من تدفق الاستثمارات إلى هذا القطاع وتشجيع الاستثمار فى قطاعات أخرى ذات مردود أعلى للمجتمع ككل؟