بقلم: أشرف البربرى
مصر محفوظة بحفظ الله، ولأنها كنانته فى الأرض، ولأنها مذكورة فى القرآن الكريم، ووقاها الله شر الأعاصير والسيولة والكوارث والبراكين، فلا تشهد من الظواهر الطبيعية الصعبة إلا أقلها وأخفها، الذى يمكن أن يصبح رسالة تنبه الشعب إلى أن بعض من يقومون على أمرها إما غير أكفاء أو يسيرون بها فى الطريق الخطأ، ولكن الفساد والتراخى وغياب آليات الحكم الرشيد يجعل أى مشكلة بسيطة، كارثة كبرى يتحمل تداعياتها آلاف المواطنين.
لم تكن الأمطار التى سقطت على شرق القاهرة أول أمس سيولا، ولا استمرت أياما، لكنها كانت كافية لكى تكشف مجددا كل عورات الحكومة. فقد سودنا صفحات صحفنا وملأنا ساعات برامجنا التلفزيونية بالتقارير التى تتحدث عن استعداد المحافظات والمحافظين لموسم الشتاء، وعن رصد مئات الملايين من الجنيهات «لتسليك البالوعات»، فما إن تساقط المطر حتى اكتشفنا قدرا كبيرا من الفشل والعجز، ليدفع الثمن آلاف المواطنين الذين شاء حظهم العاثر أن يكونوا فى الشوارع فى تلك الساعات.
الحقيقة أن فشل المحليات أو فسادها، وعجزها عن مواجهة القليل من الأمطار ليس إلا عرضا للمرض الحقيقى الذى يهدد بسقوط الوطن وهو غياب الحكم الديمقراطى الرشيد الذى يضمن سبل المراقبة والمحاسبة لكل مسئول مهما كان مستواه حتى لا تتكرر الأخطاء ولا تتحول إلى خطايا وكوارث.
هل يحق لحكومة تغرق عاصمة دولتها فى «شبر ميه» الادعاء بأنها تسير بالبلاد على الطريق الصحيح؟!.
انصار الحكومة نجحوا خلال السنوات الماضى فى تشويه وعى قطاعات كبيرة من المواطنين وإيهامهم بأن من يطالب بحكم ديمقراطى رشيد واحترام حقوق المواطن ومحاسبة المسئولين، يستهدفون «إسقاط الدولة» وأن رغيف العيش أهم من الانتخابات الحرة، وأن توفير الخدمات العامة أهم من حقوق الإنسان، وأن المسئول لا يخضع للمحاسبة لأنه يعرف أكثر من المواطن. حتى جاءت أمطار اليومين الماضيين لكى تعيد الكشف عن البديهيات التى توصلت إليها الكثير من شعوب الأرض خارج عالمنا العربى المنكوب وهى أنه لا رغيف عيش ولا خدمات حقيقية ولا حتى أمان بدون نظام حكم يجعل من المسئول خائفا من غضب المواطن وليس من غضب من عينه فى منصبه. ويجعل من الإعلام الحر عينا للمواطن يراقب بها الحكومة ولسانا ينتقد به تقصيرها ويهددها بالعزل والإقالة إذا لم تستقم وتستقم معها الأمور.
أخيرا فإذا كان سقوط الأوطان أو غرقها محتملا إذا ما خرجت الشعوب تطالب بحقها فى الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد كما يرى البعض، فإن السقوط والغرق يصبح مؤكدا عندما تفشل مؤسسات الوطن فى التعامل مع أزماته وملفاته، الاستراتيجية منها واليومية، وعندما تتحول المناصب العامة احيانا إلى مكافأة للمرضى عنهم والموثوق فى ولائهم، بغض النظر عن امتلاكهم للمؤهلات المطلوبة لهذا المنصب.