بقلم - أشرف البربرى
بعيدا عن الكلام من نوعية «استغلال المستغلين، واحتكار المحتكرين»، فإن أزمة البطاطس وأسعارها ليست إلا نتيجة من نتائج فشل السياسات الزراعية للحكومة. فالتجار موجودون طوال الوقت، وثلاجات تخزين البطاطس مملوءة بالبطاطس فى كل حين، ولكن الأزمة وكما قال السيد وزير الزراعة شخصيا سببها انصراف المزارعين عن زراعتها فى الموسم الحالى بعد الخسائر التى تكبدوها فى العام الماضى نتيجة انخفاض أسعارها، وعدم تدخل الحكومة لتعويضهم عن هذه الخسائر كما تفعل أى حكومة رشيدة فى العالم.
ففى فبراير 2018 أى قبل أكثر من 10 أشهر قال أحمد العباسى عضو بالنقابة العامة للفلاحين، إن سعر طن البطاطس انخفض إلى 900 جنيه للطن أى 90 قرشا للكيلو وهو ما يكبد الفلاح خسائر وصلت إلى 7500 جنيه لكل فدان، دون أى تحرك من جانب الحكومة التى رفعت أسعار السولار مع ارتفاع أسعار الأسمدة والتقاوى والمبيدات، فكان من الطبيعى تراجع الإنتاج فى الموسم الحالى.
كان لدى مصر حتى مطلع تسعينيات القرن الماضى منظومة دعم زراعى جيدة، تضمن حصول الفلاحين على الأسمدة والتقاوى والمبيدات وعلف الماشية بأسعار مخفضة، بما يضمن استقرار الإنتاج الزراعى والحيوانى بغض النظر عن تقلبات الأسعار، ولكن الحكومة تخلت عن هذه المنظومة تدريجيا استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولى، فأصبح الفلاح وزراعته ومعهما المواطن المصرى وطعامه فى مهب الريح.
ليس هذا فحسب بل إن الحكومة التى رفعت شعار بيع خدماتها وفقا لأسعار السوق العالمية، والتى تقول إن لكل خدمة ثمنا على المواطن دفعه، هى التى تداهم مخازن التجار وثلاجات التخزين لتصادر ما فيها دون أى تحقيق أو دليل على ممارسة هذا التاجر أو هذه الشركة للاحتكار لتصبح حيازة البطاطس فى ثلاجة بطاطس جريمة مثل حيازة المخدرات.
للاحتكار وممارسته تعريف قانونى وإجراءات لإثباته، أمام ما تمارسه الحكومة الآن فليس سوى محاولة لتشتيت الانتباه بعيدا عن فشل سياساتها أو عن نتائج «سياساتها الإصلاحية التى يجنى المواطن ثمارها الآن».
فالمفترض وفقا للاقتصاد الحر الذى تصدع الحكومة رءوسنا بالحديث عنه أن يكون جهاز حماية المنافسة هو المسئول عن إثبات ممارسة أى تاجر أو شركة للاحتكار ثم معاقبته، أم مداهمة المخازن والثلاجات ومصادرة ما فيها من منتجات بدعوى الاحتكار والاستغلال فهذا عبث شديد.
والحقيقة أن أسعار البطاطس ليست سوى حلقة واحدة فى مسلسل ارتفاعات غير مسبوقة لأسعار المنتجات الزراعية، وإن كانت الناس «تخجل» من الشكوى منها باعتبارها من الكماليات.
هذه الأسعار المرتفعة ليست إلا نتيجة مباشرة لسياسات زراعية أقل ما توصف بها أنها غير رشيدة. فمنظومة الدعم الزراعى التى ظلت تعمل بانضباط ملحوظ حتى مطلع التسعينيات تم التخلى عنها، وعمليات صيانة الترع والمصارف تراجعت بشدة، فتدهورت كفاءة الأراضى الزراعية وتراجع الإنتاج لترتفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
لا حل لأسعار المواد الغذائية ما لم تعيد الحكومة النظر فى سياساتها الزراعية وتعيد الحياة إلى منظومة دعم زراعى حقيقى وجاد يعيد للفلاح الرغبة فى استغلال الأرض بدلا من تبويرها ويشجع الاستثمار الزراعى على نطاق كبير. فدون مثل هذا الدعم يصبح النشاط الزراعى غير جاذب للمستثمرين.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع