بقلم - أشرف البربرى
لم تجاف مجلة تايم الأمريكية الحقيقة ولم تبالغ عندما لقبت الصحافة والصحفيين بـ «الحراس» للشعوب واختارت 4 صحفيين وخامسهم صحيفة ليكونوا معا «شخصية العام»، ويتصدرون غلافها السنوى الذى ينتظره العالم.
فقد اختارت المجلة الأمريكية التى يبلغ عمرها 95 عاما الصحفى السعودى جمال خاشقجى الذى قتل فى قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول التركية، ومراسلى وكالة رويترز للأنباء المحتجزين فى ميانمار بتهمة تغطية مذابح الجيش ضد أقلية الروهينجا المسلمة «وا لونى»، و«كياو سوى أوو»، والصحفية الفلبينية، ماريا ريسا، المعارضة لسياسات الرئيس رودريجو دوتيرتى المثيرة للجدل، ثم صحيفة «كابيتال جازيت» الأمريكية التى تعرضت لهجوم مسلح من جانب مجرم أمريكى خسر دعوى قضائية ضدها.
حمل الغلاف السنوى الذى ينتظره العالم لمعرفة أهم شخصية فى العام صورة 4 صحفيين وصحيفة وعبارة «شخصية العام: الحراس والحرب على الحقيقة» حيث جمعت المجلة بين الصحفيين باعتبارهم حراس الشعوب والممارسات المستبدة باعتبارها الحرب على الحقيقة.
ولم يكن لقب «الحراس» الذى أطلقته مجلة تايم على الصحفيين والصحافة من اختراعها حيث سبقتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، عندما قالت «الصحافة هى الحارس العام على المجتمعات، وحرية الصحافة تلزمها حماية خاصة حتى تتمكن من أداء وظائفها».
ويقول محامى مراسلى رويتزر فى ميانمار «تان شاو أونج» فى تصريحات إن «الصحافيين هم السلطة الرابعة.. فهم يحاولون منح الشعب حقه فى المعرفة، لذلك يجب أن يستمروا فى أداء عملهم»، مشيرا إلى أن المحكمة أصدرت حكمها بالسجن 7 سنوات على «وا لونى» و«كياو سوى أوو» رغم أن محكمة عسكرية أخرى أدانت مجموعة من رجال الجيش بارتكاب المذبحة ضد المسلمين التى كتب عنها الصحفيان، أى إن ما نشراه كان صحيحا.
وحدها الأنظمة المستبدة هى التى تطلق أذرعها الدعائية والسياسية لكى تشوه صورة الصحافة الحرة والصحفيين المستقلين فتصبح كمن يطلق النار على قدميه، ويحرم المجتمع من عينه الحارسة القادرة على حمايته من انحرافات السلطة وتجاوزاتها.
فالمجتمع الذى فقد الصحافة الحرة والصحفيين المستقلين يفقد أحد أهم خطوط الدفاع عن مصالحه، ويصبح مجتمعا مستباحا أمام محاولات التضليل واللعب فى الدماغ من الخارج، وأمام محاولات التدليس والبروباجندا من الداخل.
وقد رأينا كيف أنقذت الصحافة الحرة أمريكا من استمرار نزيف الدم والمال فى حرب فيتنام فى سبعينيات القرن العشرين، عندما تحدت المؤسسة العسكرية وكشفت أخطاء هذه المؤسسة ومن ورائها السلطة السياسية فى إدارة هذه الحرب. ورأينا كيف تتصدى الصحافة والإعلام ككل لانحرافات السلطة فى الدول الديمقراطية فتصوب هذه الانحرافات وتحمى البلاد من الانهيار، الذى أصاب الدول التى أعلنت الحرب على الصحافة كما حدث مع الاتحاد السوفيتى.
النظرة القاصرة للسلطة المستبدة تتوهم أن إطلاق حرية التعبير يقلص قدرتها على الإنجاز، ويهدد تماسك المجتمع نتيجة تعدد الآراء وتباينها، رغم أن التجربة الإنسانية على مر التاريخ تؤكد حقيقة واحدة وهى أن المجتمعات التى تحترم التنوع وتعدد الآراء هى التى تحقق الرخاء والازدهار لأفرادها من ناحية، وتترك للبشرية إرثا حضاريا مفيدا من ناحية أخرى، والمجتمعات المقموعة تتحول إلى جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب فى مسيرة البشر.
أخيرا، فحرية الصحافة ليست مصلحة للصحفيين، ولا حتى مغنما، لكنها السلاح الذى يحتاجون إليه للقيام بواجبهم، فى حراسة المجتمع وحماية مقدراته.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع