بقلم - أشرف البربرى
بعيدا عن الرفض المبدئى من جانب البعض لفكرة «بيع الجنسية» المصرية مقابل أى مبلغ من المال، بدعوى أن هذا امتهان لجنسيتنا العظيمة، وأنه يفتح الباب أمام اندساس عناصر يمكن أن تمثل تهديدا لأمننا القومى فى المستقبل، يظل السؤال المهم وهو هل لدى حكومتنا أى دراسات بشأن جدوى التعديل التشريعى الذى فتح الباب أمام منح الجنسية المصرية للأجنبى مقابل 7 ملايين جنيه، من الناحية الاقتصادية؟ وهل لدى الحكومة أرقام عن أعداد الراغبين فى الحصول على الجنسية مقابل هذا المبلغ المالى والذين لم يكن يحول بينهم وبين هذه الخطوة سوى غياب التشريع؟ وهل ناقش البرلمان ونوابه الموقرون هذه الجوانب قبل الموافقة على القانون الذى أثار ردود فعل سلبية لدى البعض فى الشارع المصرى؟
تجاربنا السابقة تقول إن حكوماتنا لا تهتم بمثل هذه «الأمور الهامشية» من نوعية دراسة الجدوى أو حتى دراسة التجارب السابقة للدول والشعوب الأخرى، لذلك لا ينتظر عاقل إجابات على مثل هذه الأسئلة.
بالطبع فالتشريع الجديد بشأن الجنسية ليس بدعة، ولا فريدا من نوعه، فالعديد من دول العالم المتقدمة لديها نظم مشابهة، بحيث تمنح جنسيتها لمن يقيم على أراضيها إقامة مشروعة لفترة من الزمن ولمن يمتلك عقارا بقيمة معينة وغير ذلك. يحدث هذا فى بريطانيا وفى قبرص ومالطا، وإسبانيا وأستراليا، بل والولايات المتحدة أيضا.
لذلك فهل الجنسية المصرية قادرة على المنافسة فى هذه السوق؟. فالأجنبى الذى يحصل على جنسية قبرص مثلا مقابل استثمار نحو 3 ملايين يورو سواء بشكل مباشر أو بوضعها وديعة بنكية لفترة محددة، تعطى صاحبها جواز سفر يتيح له دخول 120 دولة بدون تأشيرة بما فى ذلك كل دول الاتحاد الأوروبى. والأجنبى الذى يحصل على الجنسية البريطانية، مقابل استثمار نحو 200 ألف جنيه إسترلينى يضمن لنفسه وأبنائه رعاية صحية واجتماعية على أعلى مستوى، ويضمن حمل جواز سفر يضمن له دخول كل دول أوروبا وأمريكا بدون تأشيرة وغير ذلك.
معنى ذلك أن الجنسية المصرية ذات السبعة ملايين جنيه لن تستطيع المنافسة فى السوق، مادام المواطن المصرى الأصيل لا يتمتع بأى شىء مما يتمتع به أصحاب جنسيات الدول المنافسة. والخوف ألا نجد إلا «النطيحة والمتردية وما أكل السبع» هم الذين يسعون للحصول على جنسية بلد لا يوفر رعاية صحية حقيقية ولا نظاما تعليميا فعالا بل ولا حتى الحماية فى الخارج لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته.
المشكلة أن القانون بالطريقة التى صدر بها، أثار حالة من السخرية وربما الإحباط والتشكيك لدى الكثيرين الذين تصوروا أن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد دفعتها إلى عرض جنسيتها للبيع وهو أمر غير صحيح تماما، فى حين أن العائد من هذا القانون فى ضوء ما ذكرناه قد لا يغطى تداعيات هذه الحالة، وكان الأولى بالحكومة ومن ورائها البرلمان تأجيل مثل هذه الخطوة حتى تتوافر الظروف التى تجعل من الجنسية المصرية «سلعة جاذبة للزبائن فى سوق شديدة التنافسية».والحقيقة أن هذا القانون مثل غيره من القوانين والقرارات التى تتخذها الحكومة بلا دراسة للواقع ولا تحديد لما يمكن أن يتحقق منها على أرض الواقع، تماما مثل الإجراءات والقوانين التى تستهدف جذب الاستثمار الأجنبى فى حين أن المستثمر المصرى نفسه يعانى الأمرين فى بلده، ومثل الإعلان عن السعى لاستضافة كأس العالم لكرة القدم بعد 12 سنة من الآن، مع أننا مازلنا نلعب مبارياتنا بدون جمهور، بل ومازلنا عاجزين عن وضع جدول واضح لمباريات الدورى العام كما تفعل كل الدول المحترمة.
للأسف الشديد المنطق الذى يحكم الكثير من القرارات والقوانين ليس له صلة بالواقع، لذلك قلما يكون لهذه القرارات أو القوانين نتيجة ملموسة على الأرض، رغم كل ما يحيط بها من ضجيج.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع