بقلم : أشرف البربرى
أحسن السيد طارق شوقى وزير التربية والتعليم صنعا بإعلانه تأجيل تطبيق قرار تعريب مدارس اللغات الرسمية (التجريبية سابقا) وإعادة عرضه على المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى، لتحديد مصيره فى ضوء تقييم تجربة تدريس اللغة الإنجليزية لتلاميذ المدارس الحكومية العادية اعتبارا من الصف الأول الابتدائى والتى سيبدأ تطبيقها فى العام الدراسى المقبل.
ويحسب للسيد الوزير أنه تغلب على حماسه الشديد لبدء تطبيق قرار تعريب مدارس اللغات الحكومية، اعتبارا من العام الدراسى الجديد، فقرر إرجاء التجربة بعد أن وجد رفضا شعبيا وأكاديميا لهذه الفكرة، التى لم يستطع الرجل إقناع الكثيرين بجدواها ولا بمبرراتها التى تبدأ بحكاية الحفاظ على الهوية والانتماء من خلال تعزيز دراسة الأطفال للغة العربية وكأن الهوية والانتماء مطلوبة فقط للفقراء المصريين الذين يذهبون إلى المدارس الحكومية، فى حين لا يحتاج الأغنياء والمستورون الذين يذهبون إلى المدارس الخاصة والأجنبية إلى تعزيز انتمائهم للبلد.
المهم أن السيد الوزير أحسن صنعا بقراره الأخير وتأكيده أنه لم يكن هناك قرار بذلك من البداية، ولكن عليه أن يعيد التفكير أيضا فى قراره الأخطر وهو تعديل نظام الثانوية العامة، وجعل هذه الشهادة الأهم بالنسبة للمجتمع المصرى على ثلاث سنوات، و12 امتحانا بدلا من امتحان واحد فى السنة الثالثة.
فإذا كان القرار الذى أرجأ الوزير تطبيقه بشأن تعريب المرحلة الابتدائية من مدارس اللغات الرسمية يؤثر فقط على نحو 700 مدرسة هى إجمالى المدارس التجريبية فى مصر بحسب بيانات الوزير، فإن نظام الثانوية العامة الذى يريد تطبيقه دون إخضاعه للنقاش الكافى سواء مع المعنيين بالتعليم أو مع المجتمع، يؤثر على أكثر من مليون أسرة هم تقريبا إجمالى عدد الأسر التى سيكون لها طلاب فى المرحلة الثانوية بسنواتها الثلاث.
أمام هذه الحقيقة على الوزير إعادة النظر فى تطبيق النظام الجديد والانتظار حتى تتوافر له عوامل النجاح التى لا يوجد منها شىء على أرض الواقع. فالمدارس الحكومية وربما الخاصة لم يعد فيها فصول لاستقبال طلبة الثانوية العامة، ومعامل الكمبيوتر شكلية، وهناك عدد كبير من المدارس لا يوجد فيه خطوط هاتف من الأساس.
ثم نأتى للنقطة الأهم فى هذا الموضوع وهو ضمانات النزاهة والشفافية والعدالة فى امتحانات الثانوية العامة باعتبارها فى الأساس سباقا بين الطلاب من أجل الفوز بمكان فى الجامعة وهو ما يعنى ضرورة توافر هذه الضمانات. والوزير لم يقل لنا كيف يضمن إجراء الامتحان عن بعد على مستوى المدرسة دون أن يستعين الطالب «الواصل» بمدرس أول المادة لكى يجيب بدلا عنه على الأسئلة عبر جهاز الكمبيوتر؟ ولم يقل لنا كيف ستتم رقابة الامتحان فى المدارس الخاصة التى ستسعى بكل السبل إلى ضمان حصول تلاميذها على أعلى الدرجات؟ ولم يقل لنا الوزير هل تم سد عجز المدرسين فى المدارس الحكومية؟ وهل تم رفع كفاءة هؤلاء المدرسين حتى لا يلجأ التلميذ إلى الدرس الخصوصى لأن الدروس الخصوصية هى عرض وليست مرضا. فالتلاميذ لجأوا إلى الدروس الخصوصية عندما توقفت الحكومة عن تكليف خريجى كليات التربية لضمان توافر أعداد كافية من المدرسين فى المدرسة وبمستوى مقبول من الكفاءة.
وإذا كان الوزير ومعه الدولة جادين فى تطوير التعليم والقضاء على الدروس الخصوصية واستعادة دور المدرسة، فعليهم فى البداية بناء المدرسة ثم توفير المدرس وليس الجرى وراء نظم وأفكار لا تكلف خزينة الحكومة شيئا لكنها تكلف المجتمع كل شىء.
أخيرا، فإذا كان الوزير قد أحسن بتراجعه عن قرار التعريب، فإننا نأمل أن يواصل طريق الإحسان فيؤجل مشروع «ثانوية الثلاث سنوات» حتى يستعد له الجميع.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع