توقيت القاهرة المحلي 05:20:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد والكمسارى فى قطار الخوف

  مصر اليوم -

عيد والكمسارى فى قطار الخوف

بقلم: أشرف البربرى

إذا كنا نريد ألا تذهب دماء الشاب محمد عيد التى سالت على قضبان السكة الحديد عندما قفز من القطار المتحرك عجزا عن سداد ثمن التذكرة وخوفا من التسليم للشرطة، هباء، وإذا كنا نريد عدم تكراره بصورة أو بأخرى فعلينا البحث عن الأسباب الحقيقية له، وإزالتها. أما إذا اكتفينا كما اعتدنا بمحاسبة المسئول المباشر الذى هو الكمسارى فى هذه الحالة، فإننا للأسف الشديد نهدر دماء الضحية ومعه دماء مئات الضحايا الذى سيسقطون فى حوادث مماثلة أو حتى غير مماثلة.
شهادة رفيق القتيل فى رحلة الموت وزميله فى رحلة البحث عن لقمة العيش تقول بوضوح إن الكمسارى وضعهما بين ثلاثة خيارات، إما دفع قيمة التذكرة التى لا يملكانها لأنهما ببساطة عادا من رحلة البحث عن لقمة العيش فى الإسكندرية خاليى الوفاض، أو تسليمهما للشرطة بتهمة التهرب من دفع ثمن التذكرة، أو النزول قفزا من القطار أثناء تهدئته فى محطة دفرة بالقرب من طنطا. ولما كان احتمال دفع ثمن التذكرة غير وارد، لم يعد أمامهما سوى الاختيار بين التسليم للشرطة أو القفز ومواجهة خطر الموت، فاختارا الثانى خوفا من الأول.
ثم جاء قرار النيابة بتوجيه تهمة «القتل بالترويع» إلى الكمسارى ليؤكد أن التخويف الذى مارسه الكمسارى والخوف الذى شعر به الضحيتان كان السبب الرئيسى فى المأساة.
والحقيقة أن الخوف لم يكن حاضرا فقط عند الضحية، لكنه كان حاضرا وبنفس القدر عند الكمسارى الذى خاف من العقاب الذى توعده به وزيره إذا ما ترك راكبا بدون تذكرة إلى الدرجة التى جعلته يدفع بالشاب وزميله إلى القفز من القطار المتحرك دون أن يفكر فيما يعرضه لهما من مخاطر.
فالسيد وزير النقل عندما تولى منصبه الرفيع خاطب الكمسارية قائلا: «إن الكمسارى الذى يترك راكبا بدون تذكرة ليس له مكان معنا»، مكتفيا بهذا التهديد لمن يتهاون من مرءوسيه فى تحصيل التذاكر، ولم يهتم بتوعيتهم «وترسيخ إيمانهم بمقاصد الوظيفة العامة؛ وغايتها تحقيق المصلحة العامة؛ وأن أولى أولويات تلك المصلحة هى الحفاظ على حياة الإنسان وصون كرامته»، فكانت المأساة عندما أبدى الكمسارى حرصا مفرطا على تنفيذ تعليمات رؤسائه والتصدى لمحاولة عدم دفع ثمن التذكرة حتى لو كان الراكب لا يملك الثمن، ولا يملك إلا القفز من القطار المتحرك.
ولم يقتصر الأمر عند خوف الضحايا من التسليم للشرطة ولا خوف الكمسارى من ضبطه متغاضيا عن راكب لا يحمل تذكرة، وإنما كان هناك أيضا خوف ولامبالاة بعض ركاب عربة القطار الذين اكتفوا بمشاهدة ما يجرى ولم يتدخلوا سواء بعرض سداد ثمن التذكرة نيابة عن الشابين أو بمنع الكمسارى من المضى قدما فى جريمته وإلزامه بالالتزام بالقانون الذى لا يسمح له بأكثر من تسليم الراكب المخالف إلى الشرطة سواء كانت شرطة القطار أو شرطة أول محطة يتوقف فيها القطار.
كيف تمكن الخوف منا بهذا الشكل فجعل الكمسارى يفضل «القتل بالترويع» على مواجهة تهمة التراخى فى تحصيل ثمن التذاكر؟ وجعل الشاب يفضل القفز إلى المجهول ومواجهة الموت على تسليمه للشرطة؟ وجعل غالبية الركاب يختارون الصمت واللامبالاة على التدخل لمنع كارثة إنسانية أمام أعينهم؟
ربما كانت الحكومة تؤمن بما قاله المبدعان عبدالرحمن الأبنودى وصيري عزت على لسان الرائع محمود مرسى فى حوار التحفة السينمائية «شىء من الخوف»، بأن «شيء من الخوف يفيد ما يضرش» لكن ما نراه هذه الأيام هو أن الخوف قد تمكن منا، إلا من رحم ربى، وأصبح طريقا إلى الموت وليس حتى وسيلة للبقاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد والكمسارى فى قطار الخوف عيد والكمسارى فى قطار الخوف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon