توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد والكمسارى فى قطار الخوف

  مصر اليوم -

عيد والكمسارى فى قطار الخوف

بقلم: أشرف البربرى

إذا كنا نريد ألا تذهب دماء الشاب محمد عيد التى سالت على قضبان السكة الحديد عندما قفز من القطار المتحرك عجزا عن سداد ثمن التذكرة وخوفا من التسليم للشرطة، هباء، وإذا كنا نريد عدم تكراره بصورة أو بأخرى فعلينا البحث عن الأسباب الحقيقية له، وإزالتها. أما إذا اكتفينا كما اعتدنا بمحاسبة المسئول المباشر الذى هو الكمسارى فى هذه الحالة، فإننا للأسف الشديد نهدر دماء الضحية ومعه دماء مئات الضحايا الذى سيسقطون فى حوادث مماثلة أو حتى غير مماثلة.
شهادة رفيق القتيل فى رحلة الموت وزميله فى رحلة البحث عن لقمة العيش تقول بوضوح إن الكمسارى وضعهما بين ثلاثة خيارات، إما دفع قيمة التذكرة التى لا يملكانها لأنهما ببساطة عادا من رحلة البحث عن لقمة العيش فى الإسكندرية خاليى الوفاض، أو تسليمهما للشرطة بتهمة التهرب من دفع ثمن التذكرة، أو النزول قفزا من القطار أثناء تهدئته فى محطة دفرة بالقرب من طنطا. ولما كان احتمال دفع ثمن التذكرة غير وارد، لم يعد أمامهما سوى الاختيار بين التسليم للشرطة أو القفز ومواجهة خطر الموت، فاختارا الثانى خوفا من الأول.
ثم جاء قرار النيابة بتوجيه تهمة «القتل بالترويع» إلى الكمسارى ليؤكد أن التخويف الذى مارسه الكمسارى والخوف الذى شعر به الضحيتان كان السبب الرئيسى فى المأساة.
والحقيقة أن الخوف لم يكن حاضرا فقط عند الضحية، لكنه كان حاضرا وبنفس القدر عند الكمسارى الذى خاف من العقاب الذى توعده به وزيره إذا ما ترك راكبا بدون تذكرة إلى الدرجة التى جعلته يدفع بالشاب وزميله إلى القفز من القطار المتحرك دون أن يفكر فيما يعرضه لهما من مخاطر.
فالسيد وزير النقل عندما تولى منصبه الرفيع خاطب الكمسارية قائلا: «إن الكمسارى الذى يترك راكبا بدون تذكرة ليس له مكان معنا»، مكتفيا بهذا التهديد لمن يتهاون من مرءوسيه فى تحصيل التذاكر، ولم يهتم بتوعيتهم «وترسيخ إيمانهم بمقاصد الوظيفة العامة؛ وغايتها تحقيق المصلحة العامة؛ وأن أولى أولويات تلك المصلحة هى الحفاظ على حياة الإنسان وصون كرامته»، فكانت المأساة عندما أبدى الكمسارى حرصا مفرطا على تنفيذ تعليمات رؤسائه والتصدى لمحاولة عدم دفع ثمن التذكرة حتى لو كان الراكب لا يملك الثمن، ولا يملك إلا القفز من القطار المتحرك.
ولم يقتصر الأمر عند خوف الضحايا من التسليم للشرطة ولا خوف الكمسارى من ضبطه متغاضيا عن راكب لا يحمل تذكرة، وإنما كان هناك أيضا خوف ولامبالاة بعض ركاب عربة القطار الذين اكتفوا بمشاهدة ما يجرى ولم يتدخلوا سواء بعرض سداد ثمن التذكرة نيابة عن الشابين أو بمنع الكمسارى من المضى قدما فى جريمته وإلزامه بالالتزام بالقانون الذى لا يسمح له بأكثر من تسليم الراكب المخالف إلى الشرطة سواء كانت شرطة القطار أو شرطة أول محطة يتوقف فيها القطار.
كيف تمكن الخوف منا بهذا الشكل فجعل الكمسارى يفضل «القتل بالترويع» على مواجهة تهمة التراخى فى تحصيل ثمن التذاكر؟ وجعل الشاب يفضل القفز إلى المجهول ومواجهة الموت على تسليمه للشرطة؟ وجعل غالبية الركاب يختارون الصمت واللامبالاة على التدخل لمنع كارثة إنسانية أمام أعينهم؟
ربما كانت الحكومة تؤمن بما قاله المبدعان عبدالرحمن الأبنودى وصيري عزت على لسان الرائع محمود مرسى فى حوار التحفة السينمائية «شىء من الخوف»، بأن «شيء من الخوف يفيد ما يضرش» لكن ما نراه هذه الأيام هو أن الخوف قد تمكن منا، إلا من رحم ربى، وأصبح طريقا إلى الموت وليس حتى وسيلة للبقاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد والكمسارى فى قطار الخوف عيد والكمسارى فى قطار الخوف



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon