بقلم : هدي رؤوف
تشرفت بتلقى دعوة كريمة لحضور فعاليات افتتاح أسبوع الجاليات «إحياء الجذور» فى الإسكندرية، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونظيريه اليونانى والقبرصى، ووفدى اليونان وقبرص، وأعضاء الجاليتين اليونانية والقبرصية المقيمين فى مصر، وكذلك من سافر منها منذ سنوات طويلة، سواء إلى موطنهم الأصلى أو إلى دول أوروبية أخرى. الحدث بلاشك أتاح فرصة لأعضاء الجاليتين لاستعادة ذكريات سنواتهم مع ذويهم فى الإسكندرية، حينما كانت مدينة كوزموبوليتانية تعج بالحياة والحيوية وتتسع لتضم الجميع مصريين وغير مصريين. فضلاً عن أنه أتاح للبعض منهم التعرف على من هجرها منهم وهو لايزال صغيرا، فتعارفوا من جديد مع استعادة حنين شوارعها وأكلاتها وموسيقاها.
المبادرة بلاشك تعكس فى أحد أبعادها وعى واهتمام السيدة وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، نبيلة مكرم، بضرورة تفعيل الدبلوماسية الشعبية فى علاقة مصر بالبلدين، وتعزيز الأواصر الثقافية والتاريخية بين البلدان الثلاثة جنبا إلى جنب مع أهداف السياسة الخارجية لمصر. كما أنها بلاشك عكست اهتمام مصر بالجاليتين على مستوى عالٍ لم يحدث من قبل، فقد تمت المبادرة تحت رعاية رئاسة الجمهورية، وهو ما أثار المشاعر الإيجابية فى نفوس الجميع، وأبرزها التليفزيون اليونانى فى تغطيته للحدث حسبما أخبرنى به أحد اليونانيين المصريين.
الحدث لا يمكن فصله عن تحركات مصر التى تستهدف تعزيز علاقتها بدول الأطراف فى شرق البحر المتوسط على المستويين الاقتصادى والسياسى. فهناك أهمية كبيرة للعلاقة بين البلدان الثلاثة فى ضوء التطورات الإقليمية وفى محيط المتوسط، فقد سبق الاحتفال من قبل عقد عدة قمم ثلاثية الأولى بين مصر واليونان وقبرص لأول مرة فى القاهرة فى عام 2014، ثم فى نيقوسيا فى إبريل 2015، وكانت القمة الثالثة فى أثينا، والرابعة فى القاهرة فى عام 2016.
وتشير التفاهمات متعددة الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية بينها إلى التوجه المصرى لتأسيس تحالف سياسى واقتصادى واستراتيجى، تنطلق منه مصر لتعزيز موقفها الإقليمى من تعظيم الاستفادة من موارد الغاز الطبيعى فى المتوسط واكتشافات مصر الأخيرة به. التعاون ليس اقتصادياً فحسب، فقد أجرت مصر التدريب العسكرى المشترك بين القوات البحرية والجوية المصرية ونظيرتها اليونانية، كما نفذت تدريبات مشتركة للبحث والإنقاذ مع قبرص قبالة الساحل الجنوبى القبرصى، وهو ما قد يكون بمثابة بداية لتدريبات عسكرية مشتركة مستقبلاً. كما أن ترسيم الحدود بين الطرفين فى المنطقة الاقتصادية الخالصة مع وجود امتدادات للموارد الطبيعية فى المنطقة الاقتصادية الخالصة والمصرية والقبرصية يستلزم التعاون بين الطرفين لاستغلال تلك الموارد. ومن ذلك محاولة البلدين الاستغلال المشترك لاحتياطيات الهيدروكربون المشتركة على خط الوسط بين المناطق الخالصة للبلدين، والذى أثار اعتراض تركيا فى فبراير الماضى، مبررة أن الاتفاق بين مصر وقبرص ينتهك الجرف القارى لتركيا. ومفهوم الاعتراض التركى فى ظل الخلافات مع كل من مصر وقبرص.
وتعتبر إمدادات الغاز القبرصى ضرورية لتحويل مصر إلى مركز لتبادل معلومات تصدير الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط. ومن الممكن أن تزود الإمدادات من قبرص وأى اكتشافات جديدة قبالة سواحل مصر مصانع الغاز الطبيعى المسال فى مصر، والتى ستحول مصر إلى نقطة نقل رئيسية لتصدير الغاز الطبيعى إلى أوروبا، وهو ما تستهدف منه مصر، من جهة أخرى، تعزيز علاقتها بالاتحاد الأوروبى باعتبارها مصدراً للطاقة.
توثيق التعاون بين الدول الثلاث والارتكاز بصفة أساسية على مجالات الطاقة والتنقيب واستغلال موارد المتوسط، والتى فى جزء منها تؤثر سلباً على طموح تركيا فى البحر المتوسط، يسلط الضوء من جهة على طموح مصر للاستفادة القصوى من موارد شرق البحر المتوسط. خاصة أنه با��توازى مع تعميق العلاقات المصرية- اليونانية القبرصية تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة، وهى الحليف الاستراتيجى لمصر، بالتعاون الاقتصادى والعسكرى مع كل من اليونان وقبرص. فقد شاركت فى تدريبات عسكرية مع اليونان العام الماضى، كما استثمرت شركة موانئ دبى العالمية مليارات الدولارات لافتتاح محطة سياحية جديدة فى ليماسول فى قبرص، والاستثمار فى صناعة الغاز فى قبرص، كل هذه المؤشرات قد تشير لإمكانية تشكيل محور إقليمى متوسطى، وهو ما يرشح شرق البحر المتوسط ليكون إما بؤرة تعاون إقليمى اقتصادى وأمنى وعسكرى، وإما أحد مصادر النزاع المستقبلى إقليمياً فى ظل وجود دولة رافضة لهذا التعاون كتركيا.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع