توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة

  مصر اليوم -

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة

بقلم - هدي رؤوف

تتسم بيئة الشرق الأوسط بكونها بيئة صراعية منذ القدم، وللآن. وتستمر تلك الحالة الصراعية لتعكس فشل المنطقة فى أن تتحول إلى مجتمع إقليمى ينجح فى خلق آليات لحل أزماته وصراعاته، والتعاون لتنمية موارده وتطويره وتعزيز التعاون الإقليمى. بل العكس تماما ما تشهده المنطقة، هناك عدد من القوى الإقليمية التى تتنازع حول دور السيطرة والقيادة، وتقديم نفسها للقوى الخارجية باعتبارها من يمكنه التأثير فى الإقليم. وتغيب عن تلك القوى وجود تهديدات مشتركة تواجه المنطقة، فلا يوجد تعريف محدد لكل منها عما يمثل تهديد حقيقى لاستقرار وأمن الشرق الأوسط، على الرغم وجود تواقف أمنى بينهما أى أن أمن كل منها يؤثر على أمن الدولة الأخرى. ويتزامن بالطبع مع حالة غياب التهديدات المشتركة عدم اعتراف أى من دول المنطقة بمصالح الدولة الأخرى ومناطق نفوذها. صحيح هناك اختلاف فى المصالح، لكن ليس هناك احترام لتلك المصالح فى سبيل العمل لتنمية الإقليم.

فنجد أن ما تعتبره مصر تهديدا لأمنها ولأمن الآخرين وصنفته باعتباره جماعات إرهابية لا تعتبره دول أخرى كذلك، بل تعد إحدى أدواتهم فى سوريا وليبيا والعراق. كما أن إيران ذاتها، هناك انقسام خليجى حول الموقف منها، فلدى إيران علاقات قوية مع قطر وسلطنة عمان والكويت، فى حين تتصارع مع الإمارات حول الجزر المحتلة وتتنافس مع السعودية. نفس هؤلاء الأطراف تغيب رؤيتهم المشتركة لحل الصراعات، فالتصور والمشروع التركى فى سوريا يختلف تماما عن نظيره السعودى والإماراتى، كما أن رؤية مصر لوحدة سوريا والعراق وليبيا تختلف عن رؤية حليفتها السعودية. كما أننا لا نتحدث عن تنافس بين الإسلام الشيعى والسنى فقط، بل داخل الإسلام السنى هناك نموذج الإسلام السياسى الذى طرحته تركيا ومعها قطر بدعم التنظيمات الإسلامية كالإخوان المسلمين، وهناك نموذج الإسلام السعودى، بل مؤخرا تحدثت الأوساط الغربية عن الإسلام السلفى الذى تمثله داعش والتنظيمات الجهادية. واستثمرت كل من تركيا وقطر فى نموذج الإسلام السياسى وقدمته للغرب بديلا للنظم العربية القائمة، وهو ما أسقطته مصر بثورة 30 يونيو ومنها سقط مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة. وقد أعاد مقتل خاشقجى الضوء على التنافس «التركى- السعودى».

هذا التباين فى تعريف القوى الإقليمية بالشرق الأوسط للمصالح والتهديدات بلور لدينا عدة ملاحظات، أول هذه الملاحظات، هو فشل تشكيل تحالفات دائمة بين الأطراف المتوافقة. فلم تتشكل تحالفات من الدول الإسلامية السنية فى مواجهة إيران الشيعية، تتكون من دول الخليج ومصر وتركيا، ولم تتشكل تحالفات حقيقية فى مواجهة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ولا يوجد موقف عربى تجاه إسرائيل.

الملاحظة الثانية هى عدم قدرة أى من تلك القوى الشرق أوسطية على تقديم مشروعها للإقليم، أى عدم تقديم تصور لترتيبات أمنية تحقق استقراره، أو تقدم من خلاله منافع عامة تبنى أمنا واستقرارا وتدعم الدول الأضعف به. بل على العكس إن بعض دول المنطقة تقدم دعما عسكريا أو اقتصاديا فقط للفواعل التى تعتبرها أدوات تنفذ سياستها فى إطار سعيها للسيطرة. أما ثالث الملاحظات فهى إطالة أمد صراعات الإقليم وتعقدها على غرار الأزمتين السورية والليبية، نتيجة لاستمرار حالة ضعف تأثير دول المنطقة، ومن ثم تدخل القوى الخارجية مثل روسيا والولايات المتحدة. أما الملاحظة الرابعة، أن إسرائيل هى القوى الإقليمية الوحيدة التى استفادت من ذلك الوضع المضطرب فقد نجحت فى تقديم ذاتها باعتبارها دولة مرساة anchor state مستقرة سياسيا واقتصاديا وعلميا، ويمكن لدول المنطقة الاعتماد عليها فى بناء علاقات تضمن لهم الاستقرار الاقتصادى والتنمية. حدث ذلك على الرغم من أن إسرئيل لم تقدم نفسها باعتبارها قائدا أو مسيطرا فى الإقليم، لأنها تدرك جيدا سذاجة ذلك الادعاء فى محيط عربى مسلم. بل إنها اهتمت أكثر بالاستفادة من الأوضاع المضطربة لتحقيق منافعها الاقتصادية.

إن التفاعلات السياسية فى المنطقة فى السنوات العشر الأخيرة، أوضحت أنه لا توجد دولة واحدة تملك معظم المقومات التى تمكنها من السيطرة أو التأثير فى الإقليم بشكل منفرد، فتتوزع الخصائص ما بين أكثر من دولة، فكل دولة تستخدم أدواتها للتأثير والتحرك وتقابلها أدوات مضادة من الأطراف الأخرى، لكن من غير ما يكون لديها مشروع حقيقى أو تمثل المنطقة دوليا على المستوى المؤسسى أو تقدم حلا لصراعاته، أى يمكن أن نقول هناك حالة من توازن الضعف بين كل القوى الإقليمية، أو ما يطلق عليه البعض تشتت مصادر القوة بين القوى الإقليمية، ولا يوجد طرف ينفرد فى تأثيره بالإقليم من دون الآخرين أو يدعى أن الشرق الأوسط مساحة نفوذه its sphere of influence.

وأخيرا يجب التنبيه إلى أمرين، أولاً هناك فارق شديد بين الزعامة والسيطرة، فالقيادة مفهوم مدلولاتها إيجابية تدل على دولة، تقبل الدول الأخرى قيادتها وأن تتبعها، كما تحترم رؤيتها ومبادراتها ولديها مشروع يقتدى به كثيرون، ربما تكون الحالة المصرية هى أوضح النماذج حينما حملت مشروع التحرر من الاستعمار ومساندة الآخرين، مع اعتراف إقليمى ودولى بدورها حتى لو رفضته القوى الأجنبية. أما السيطرة فتعنى السعى للتأثير لتحقيق المنافع الخاصة للدولة على حساب الغير.

ثانياً: هناك مؤشرات يمكن أن نقيس بها حدود قيادة أو سيطرة أى قوى إقليمية، منها القبول الإقليمى لدور تلك الدولة أو سياستها الخارجية، ومن ثم وجود تابعين لتلك الدولة أم لا، ومدى تنفيذ وقبول مبادراتها ورؤيتها لحل صراعات وأزمات الإقليم، ومدى اعتماد الخارج عليها فى حل قضايا المنطقة، وتمثيلها، وهل تستطيع تلك الدولة تنفيذ سياستها الخارجية بأقل تكلفة عبر استخدام القوة الناعمة بدلا من اللجوء للقوة العسكرية، أى هل تقدم نموذجا يتم التأثر به؟. هل تشكل نموذجا اجتماعيا وثقافيا وتعليميا وجاذبة للعمل بها؟. كلها مؤشرات تدل على مدى وجود قوى إقليمية نموذج أو قائد من عدمه.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon