بقلم - إبراهيم البحراوي
هناك منطقان في إسرائيل يفرزان إستراتيجيتين في التعامل مع الشعب الفلسطيني. المنطق، الأول ينادى بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وكل أشكال المقاومة والاحتجاج حتى ولو كانت سلمية بواسطة القوة المفرطة، وهذا المنطق هو السائد بين القوى اليمينية، ويعتمد على مقولة «ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة».
أما المنطق الثاني، فينادي بحل الصراع، وما يترتب عليه من مقاومة فلسطينية بالتسوية السياسية، وإيجاد حل يرضي التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني، بما يؤدي إلى وضع نهاية للمقاومة وضمان الأمن للإسرائيليين.
هذه خلفية لابد منها لفهم الصور المختلفة من العدوان المتصاعد التي نراها منذ مارس الماضي ضد المظاهرات السلمية التي يقوم بها اللاجئون الفلسطينيون قرب من السياج المحاذي لقطاع غزة.
إن آخر هذه الصور هي إطلاق النار بدم بارد على الممرضة الفلسطينية «رزان النجار» التي كانت مرتدية البالطو الأبيض الدال على وظيفتها كمسعفة. تكشف الصور الملتقطة للحادث من جانب الصحفيين أنه لم يكن هناك أدنى مبرر لإطلاق النار على «رزان»، فقد تقدمت نحو السياج رافعة يديها أمام الجنود الإسرائيليين لتسعف الجرحى. على الجانب الآخر، تقول المصادر الإسرائيلية المدافعة عن سلوك الجنود العدواني، إن إطلاق النار على الممرضة حدث في إطار تدافع للشبان الفلسطينيين تجاه السياج، واستخدامهم العنف ضد الجنود الإسرائيليين وهو ما تنفيه الصور الملتقطة للحادث.
إن المخرج الدائم لدى أصحاب المنطق الأول عندما تحرجهم الكاميرات وتكشف عدوانهم السافر وغير المبرر، وتسقط ادعاءهم هو استخدام لعبة إجراء التحقيق في الجريمة داخل النظام العسكري، وذلك للتهرب من التحقيق الدولي.
الجديد القديم في أساليب القوة المفرطة هو معاقبة الشعب الفلسطيني بالاستيلاء مجدداً على أرضه في الضفة الغربية من ناحية والسعي لإصدار تشريعات قانونية في الكنيست تهدف إلى تمكين الحكومة اليمينية من مواصلة ضم أراضى الضفة بالتهرب من القانون الدولي.
لقد أعلن وزير الإسكان الإسرائيلي أن وزارته ستبادر إلى بناء بلدة جديدة في المنطقة المجاورة لقطاع غزة تأديباً للمتظاهرين الفلسطينيين وأنه سيطلق عليها اسم «حانون» مقابل بلدة بيت حانون الفلسطينية، وتشمل مبدئياً 500 وحدة سكنية لليهود. ويذكرنا وزير الإسكان هذا، وهو جنرال سابق، بموقف الجنرال رفائيل إيتان الذي كان رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي في الثمانينيات، حيث أخبره القائد الميداني في الضفة الغربية أن الشبان الفلسطينيين يتظاهرون احتجاجاً على الاحتلال، فأجاب إيتان: سنحشر الفلسطينيين في زجاجة كالحشرات السامة ليأكلوا بعضهم، وسنرد على كل حجر يلقونه بمستوطنة جديدة نبنيها في الضفة الغربية. لقد سار الجنرال يوآف جالانت، وزير الإسكان الحالي، على نهج إيتان القديم ليجدده عندما قال إن الرد الأمثل على العنف الفلسطيني هو زيادة وتوسيع المستوطنات في كل بقعة من «أرض إسرائيل» (يقصد: فلسطين).
وإذا كان وزير الإسكان يجسد بذلك سياسة استعمارية لا يعترف بها العالم ويعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي الذي يحرم على قوة الاحتلال تغيير الطابع السكاني والجغرافي للأراضي الخاضعة للاحتلال، فإن زملاءه من أعضاء الكنيست اليمينيين يعملون حالياً على سن قانون يضفي شرعية مزيفة على عمليات الاستيطان.
إنه قانون يتيح مصادرة أراضي الضفة الغربية، وذلك بتطبيق القانون الإسرائيلي وحده عليها واستبعاد القانون الدولي الذي يعتبرها أرضاً محتلة. المشكلة في العقلية التي تعتبر القوة والإملاءات حلا نهائياً أنه إذا قيل لأصحابها إن العنف يولد العنف أجابوا عليك قائلين: وما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد منها. إن هذه العقلية تستوجب رداً قوياً من المجتمع الدولي.
نقلا عن الاتحاد الاماراتية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع