بقلم -علي السلمي
قبل أن ينتفض قارئ عنوان مقال اليوم رافضاً له لغرابته وقسوته، أسارع بالقول بأنه عنوان لكتاب مهم للمفكر والفيلسوف المصرى الكبير دكتور زكى نجيب محمود، صدرت منه ست طبعات الأولى كانت عام 1979 والأخيرة أصدرتها «مكتبة الأسرة» عام 2007. والكتاب فى مجمله دعوة إلى إقامة مجتمع جديد أساسه العلم وسلطان العقل. وكما قال المفكر الراحل فى تقديمه لكتابه « ليس الفكر ترفاً يلهو به أصحابه كما يلهو بالكلمات المتقاطعة رجل أراد أن يقتل فراغه، بل إن الفكر مرتبط بالمشكلات التى يحياها الناس حياة يكتنفها العناء، فيريدون لها حلاً حتى تصفو لهم المشارب؛ وبمقدار ما نجد الفكرة على صلة عضوية وثيقة بإحدى تلك المشكلات، نقول إنها فكرة بمعنى الكلمة الصحيح».
واستناداً إلى قول مفكرنا الراحل أناقش قرار وزيرة الصحة بضرورة عزف السلام الوطنى وترديد قسم الأطباء فى الساعة الثامنة من صباح كل يوم فى جميع المستشفيات الحكومية والمراكز العلاجية والمعاهد التابعة للوزارة، وذلك دون التهكم أو السخرية من ذلك القرار أو ممن أصدرته، والتى فاضت بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى ــ والحق أنه قرار جدير بالتهكم ــ!
وبداية، أسأل كما أرشدنا د. زكى نجيب محمود، ما هى المشكلة أو المشكلات التى يحياها المصريون ويعانون منها أشد العناء وما هى الحلول التى يتطلعون إليها من وزارة الصحة ومن وزيرة جديدة حلت محل وزير سابق أمضى فى المنصب الوزارى بضع سنين ابتداء من 19 سبتمبر 2015 حتى 14 يونيو 2018 دون إنجاز حل مقبول من الناس لتلك المشكلات؟
هل يرتبط قرار عزف السلام الوطنى وترديد قسم الأطباء بحل مشكلة التدنى فى الخدمات الطبية والعلاجية وسوء الإدارة الطبية فى مستشفيات الوزارة التى جاءت الوزيرة لرفع كفاءتها بعد أن عجزت جهود وزراء الصحة السابقين عن حلها بمن فيهم الراحل العظيم دكتور إبراهيم بدران! هل يرتبط حل الوزيرة بمشكلات نقص الأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية التى يُطلب من المرضى إحضارها على نفقتهم الخاصة، إن استطاعوا، وإلا فالموت هو الحل!! هل يفيد ترديد قسم الأطباء فى حل مشكلات الأطباء الذين يعانون أنفسهم من هزال المرتبات والمطالب المستمرة لصرف بدل العدوى ويعانون، كما يعانى المرضى، من سوء أوضاع المستشفيات وتردى بيئة العمل التى لا تُمكنهم من الوفاء بما أقسموا عليه؛ من مراقبة الله فى مهنته، وصيانة حياة الإنسان فى كافة أدوارها، فى كل الظروف والأحوال باذلًا وسعه فى استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وحفظ كرامة الناس وستر عورتهم، وكتم سرهم، وأن يكون على الدوام من وسائل رحمة الله،... إلى آخر القسم.
هل تعالج الوزيرة بقرارها مشكلة البلبلة التى نشأت عن تصريحات رئيسة هيئة التأمين الصحى عن تأجيل نظام التأمين الصحى الشامل بعد أن دشنه رئيس الجمهورية ليبدأ من أول أغسطس القادم [2018] معللة ذلك بتغيير وزير الصحة السابق، ورغم بيان الرئاسة حول التنفيذ الصارم للنظام ـ إلا أن ما أثارته تصريحات رئيسة الهيئة تعكس حالة من القلق لدى المواطنين الذين ينتظرون تفعيل ذلك النظام.
وبشكل عام وجاد، هل يعالج قرار الوزيرة بإذاعة السلام الوطنى وترديد قسم الأطباء أى مشكلة حقيقية مما يعيشها أهل المحروسة؟ الجواب قولاً واحداً أن ذلك القرار لا ولن يحل أى مشكلة من مشكلات منظومة الصحة فى مصر قال عنها الرئيس «مفيش علاج جيد فى مصر».
وعودة إلى كتاب دكتور زكى نجيب محمود وكان قد بدأه بمقال عن «سلطان العقل» جاء فيه «على أنه لا جدوى من أن نردد كلمة (العقل) بألسنتنا دون أن نعنى بها كل ما تعنيه تلك الكلمة، أو ما يجب أن تعنيه، إذ العقل ـــ آخر الأمر ــ هو التخطيط المدروس، ولا يكون للتخطيط المدروس معنى، إلا أن يكون هنالك أهداف واضحة مقصودة». إن كلام مفكرنا الكبير الراحل ينطبق ليس فقط على قرار وزيرة الصحة، بل ينطبق على أى قرار أو فعل أو توجيه لأى مسؤول وكل مسؤول!
ولنا جولات قادمة مع كتابات مفكرينا العظام جزاهم الله خيراً على ما قدموه للمحروسة التى أهمل أبناؤها هؤلاء المفكرين ولا يكاد المصريون يعرفون مجرد أسمائهم.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع