بقلم - فتحية الدخاخني
ما إن تبدأ بتصفح مواقع التواصل الاجتماعى، حتى تغرق فى سلسلة لا تنتهى من مقاطع الفيديو القصيرة، تدخلك فى تفاصيل الحياة اليومية لأشخاص لا تعرفهم، فتنتقل من وصفات طبخ وتخسيس إلى روتين البشرة وتجارب مستحضرات التجميل، وحفلات زفاف، ورحلات ومشاجرات عائلية، حتى تكاد تدخل غرف نوم هؤلاء الأشخاص الذين قرروا فجأة التخلى عن خصوصيتهم، وفتح منازلهم للغرباء، رغبة فى تحقيق الشهرة، وبالطبع المال لينضموا إلى قائمة ما يعرف اليوم بالمؤثرين influencers.
وطبعًا لا تقف وسائل الإعلام التقليدية مكتوفة الأيدى، ففى إطار سعيها لملاحقة ما يسمى بالترند، تتناقل أخبار وفيديوهات من يثيرون الجدل على السوشيال ميديا، لتصنع منهم نجومًا، فيتحول مواطن قرر عامدًا أو دفع عن غير قصد لمشاركة جزء من تفاصيل حياته اليومية، إلى حديث الصحف والمواقع والفضائيات، ولعل قصة عروس كفر الدوار الأخيرة، خير مثال على ذلك، فالعروس التى أملت شروطها على عريسها لحظة كتب الكتاب، تحولت وزوجها إلى مادة خصبة للحوار على مواقع التواصل الاجتماعى، وشاشات التليفزيون، بسبب مقطع فيديو نشره أصدقاؤها يوثق لحظة كتب الكتاب.
ولا نعرف هل كان نشر مقطع الفيديو مقصودًا أم لا، هل سعى ناشروه إلى تحقيق نوع من الشهرة، أم نشروه تعبيرًا عن فرحتهم بالأمر؟ ولماذا انتشر الفيديو بهذا الشكل؟ لماذا أقحم مجتمع السوشيال ميديا نفسه فى قصة أشخاص لا يعرفهم، وليسوا مؤثرين فى حياته اليومية، هل بسبب غرابة الفيديو، أم لأنه يمس جزءًا من معتقداته الشخصية، والسؤال الأهم: لماذا تركت وسائل الإعلام قضايا العالم من مناخ وغذاء، وارتفاع أسعار، ومشاكل صحة وتعليم، وانزلقت لمتابعة الحياة الشخصية لمواطنين مجهولين؟، محولة إياهما إلى نجمى فضائيات، لتكون النتيجة إعلان العروس وزوجها إنشاء قناة يوتيوب توثق حياتهما اليومية، ومطالبة الجمهور بمتابعتها، أسوة بقنوات متعددة شبيهة، بعد أن ذاقا طعم الشهرة.
تثير قضية الترند مجموعة من الأسئلة الأخلاقية المتعلقة بطريقة عمل وسائل الإعلام، وهى أسئلة صعبة تتطلب من القائمين على هذه الوسائل عقد مناقشات جادة لوضع قواعد ومعايير لكيفية التعامل مع الترند، واختراق الحياة الخاصة للأفراد، فى ظل حالة الهوس بالشهرة لدى رواد السوشيال ميديا، خاصة مع ما تحققه هذه المواقع من عائدات مالية، تدفع المواطن البسيط للتخلى عن خصوصيته، وحريته، واضعًا رقبته وحياته تحت سيف السوشيال ميديا.
بات وضع قواعد مهنية وأخلاقية للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى، وما تخلقه يوميًّا من قضايا، أمرًا ملحًّا، فى ظل حالة السيولة الإعلامية التى نعيشها، وانهيار أخلاقيات المهنة، سعيًا وراء الترند، أو عائدات مقاطع البث المباشر، وبالتوازى مع ذلك لا بد من إدخال منهج التربية الإعلامية إلى المدارس، لنعلم أطفالنا كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى، أملًا فى السيطرة على «هوس السوشيال ميديا».