بقلم - فتحية الدخاخني
فى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبح كل فرد منا يعيش فى «فقاعته الخاصة»، معلقًا عينيه بشاشة هاتف محمول أو كمبيوتر، مستغرقًا فى حياة افتراضية، ربما لعدم جاذبية الواقع الحقيقى، أو لرفضه الاختلافات الموجودة فى هذا الواقع، فكل إنسان يبحث عمن يشبهه، وهو ما توفره له فقاعات التواصل الاجتماعى، التى وإن روجت لفكرة التواصل الإنسانى، وجعلته أكثر سهولة ويسرا، متجاوزة حدود الزمان والمكان، إلا أنها أبعدت الإنسان عن مجتمعه، عن أسرته، حتى وإن جلس معهم فى مكان واحد، فكل شخص منهم يعيش فى عالمه الخاص على شاشة المحمول.
نجم كرة القدم محمد صلاح قدم فى إعلان نشر مؤخرا، دعوة للخروج من تلك الفقاعة الإلكترونية، مستعرضًا كيف تفصل هذه الفقاعة الناس عن بعضها البعض، بمجموعة من الأفكار والمشاهد الإبداعية، التى استخدمت عدة رموز فنية، من بينها القطار السريع، كنوع من التعبير عن إيقاع العصر السريع، ذلك القطار الذى يدخل فى نفق مظلم، وكأنه ينقلك من عالم إلى آخر، ليحكى صلاح قصة «الفقاعة الإلكترونية»، واستخدام كرة القدم وسيلة لهدم الفقاعة.
وتشير الأرقام إلى مدى اتساع فجوة التواصل بين الناس، حيث يبلغ عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر حوالى 75.6 مليون شخص، يقضون أكثر من 8 ساعات يوميًّا، فى تصفح الشبكة العنكبوتية، وهو أعلى من المتوسط العالمى الذى لا يتجاوز سبع ساعات يوميًّا، حسب تقرير We are social لعام 2022.
وهنا تصبح دعوة محمد صلاح للخروج من الفقاعة الإلكترونية ضرورة حتمية لاستعادة التواصل المفقود بين البشر، ولتشجيع فكر الاختلاف وقبول الآخر، لأنه كلما استغرق الإنسان فى تلك الفقاعة، ابتعد عن البشر، وكلما ترسخ داخله رفض أى أفكار أو رؤى مختلفة، فهو يتعامل داخل هذه الفقاعة مع من يشبهونه شكلًا وفكرًا، متجاهلًا كل ما هو دون ذلك، وهذا ما يفسر كثرة التجاذبات والتبادلات التى نراها يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعى، وانتشار ما يعرف بثقافة «البلوك»، والتى تعنى حذف وحجب كل ما هو مختلف معى فى الرأى والفكر.
ورغم روعة فكرة إعلان محمد صلاح، فإننا فى نهايته نكتشف أنه إعلان لتجمع سكنى «كمبوند»، وهو نوع آخر من الفقاعات، لكنه فقاعة حقيقية على أرض الواقع، تكرس لفكرة فصل البشر عن بعضهم البعض داخل أسوار، لا تقبل الدخلاء والمختلفين، وهى الظاهرة التى انتشرت بشكل كبير جدًّا فى مصر، مقسمة البلاد إلى مجتمعات سكنية منفصلة، لا يعرف سكانها أى شىء عن باقى المجتمع.
ينبغى على صناع المحتوى الإعلانى النظر للأمور من عدة زوايا، وعدم الانسياق وراء فكرة رائعة فى حد ذاتها، بينما هى عكس ما تدعو الناس إليه!.. إن الخروج من فقاعة الكمبوند لا يقل أهمية عن الخروج من الفقاعة الإلكترونية، وهذا هو السبيل لاستعادة التواصل الإنسانى، وقبول الاختلاف.