بقلم - فتحية الدخاخني
أصبح الترند محركًا رئيسيًا لوسائل الإعلام، حتى خُصصت له أبواب وبرامج تعرض ما يتداوله الناس على مواقع التواصل الاجتماعى، باعتباره القضية الأهم التى تشغل الناس فى هذه الفترة، ومع كل «ترند» تتجدد الانتقادات للإعلام والصحافة لتركها هموم وقضايا الوطن وانشغالها بسفاسف الأمور، بحثا عن مزيد من المشاهدات وعلامات الإعجاب، وبالتالى مزيد من الإعلانات والعائدات المالية.
المثير فى هذه الانتقادات أن أصحابها من الصحفيين، فنحن من نلاحق الترند، ونحن أيضا من ننتقد السعى وراءه، نحن من نملأ صفحات التواصل الاجتماعى بفيديوهات البث المباشر «التافهة»، ونحن أيضا من ننتقدها ونتحسر على زمن الصحافة الحقيقية، نحن من نرفض اهتمام الناس بترند «التايجر»، وطلاق ياسمين صبرى، ونحن من نكتب قصصا متنوعة تتابع تطورات هذا الترند.. إذا كان الإعلاميون يكرهون الترند ويرون أنه يحول اهتمام الناس نحو قضايا تافهة، فلماذا لا يضعون حدًا لذلك؟، أليس من بين المنتقدين قيادات إعلامية ورؤساء تحرير؟.
خلال اليومين الماضيين، انتشر واحد من هذه الترندات، لتنحرف قضية استشهاد الإعلامية المتميزة شيرين أبوعاقلة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلى عن مسارها الطبيعى فى الحديث عما مثله استشهادها من انتهاك صارخ لحرية الإعلام، انتقالا إلى القضية الأعم وهى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطينى، وهى النقاشات الطبيعية التى كانت تثيرها مثل هذه الاعتداءات على مدار سنوات ماضية، لينشغل الرأى العام بقضية أخرى وهى ديانة أبوعاقلة.
والمستفيد الوحيد من هذا الترند هو إسرائيل التى حاولت على مدار عقود تصوير الصراع على الأرض بأنه صراع دينى بين مسلمين ويهود، فعندما استشهدت إعلامية مسيحية كان لابد من صرف الانتباه عنها إلى سؤال ليس له محل من الإعراب، يعتقد أصحابه أنهم يملكون مفاتيح الجنة ويوزعون الرحمات على الناس، ولا يعلمون أن الرحمة بيد الله، وأن الجنة ليست حكرًا على المسلمين.
لا يمكن تجاهل الترند، فهو وسيلة لقياس اتجاهات الرأى العام، وقبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعى كانت مهمتنا كصحفيين البحث عما يشغل الناس، إما عن طريق مطالعة الصحف حول العالم والبحث عن آخر الأخبار، أو الاستماع لحوارات الناس فى الشوارع والأسواق ووسائل النقل.. لكن الفرق أننا وقتها كنا نختار من بين ذلك ما نراه مهمًا، ونأخذ منه مفتاحًا لفكرة تُطرح للبحث والنقاش لتقديم معلومة أو تحليل أو حتى للترفيه، باعتباره واحدة من وظائف الإعلام.. أما اليوم فيتم أخذ الترند كما هو دون مناقشة أو تحليل أو توضيح، والأهم دون البحث فى أهميته من عدمها.
ليس كل ترند موضوعا صحفيا، الترند مثل حوارات الناس فى الشارع، هو مؤشر ربما يحمل فكرة صحفية جيدة، على الإعلامى أن ينتقى المهم منه ويتناوله بالشرح والتحليل، حتى لا تتحول وسائل الإعلام إلى نسخ مشوهة من مواقع التواصل الاجتماعى.