بقلم - فتحية الدخاخني
شاهدت صورة الاحتفال بالصلح مع سيدة مسيحية اعتدى عليها صيدلى بالضرب في المنوفية، لأنها غير محجبة، وترتدى تى شيرت (نص كم)، الصورة رغم أن الهدف منها إظهار حل المشكلة، وتراضى جميع الأطراف، إلا أن ملامح السيدة بالمقارنة بملامح الصيدلى الذي اعتدى عليها، تجعلك تشعر بما تضمنته الواقعة من قهر وظلم للسيدة، واعتداء على كرامتها، فهى تظهر منكسة الرأس، مغلوبة على أمرها، وكأن الصلح فُرض عليها، في حين يظهر الصيدلى المعتدى مبتسمًا، منتصرًا.
يقول المثل «الصلح خير»، لكن في مثل هذه القضايا لا أعتقد أنه خير أبدًا، إنه تكريس لتغييب دور القانون، والدولة المدنية، وهروب الجناة من العقاب، حيث تشكل جلسات الصلح العرفية قضاء موازيًا، يظهر كوسيلة لحل أي خلاف أو نزاع، يكون أحد طرفيه مسيحيًّا، فحتى لو لم تتدخل الكنيسة لعقد الصلح، بالشكل الذي حدث، فإن الأمر كان سينتهى في قسم الشرطة بالصلح أيضًا، لطول إجراءات التقاضى، ففى أي وقائع مماثلة يدفع القائمون على تنفيذ القانون أطراف الشكوى إلى الصلح كوسيلة لإنهاء الخلاف سريعًا، وهو ما حدث مؤخرًا في واقعة السيدة التي تعدت على فتيات في مترو الأنفاق بسبب ملابسهن، فرغم القبض عليها، والتحقيق معها، فإن المحضر أغلق بالصلح بين الطرفين.
تشجع جلسات ومحاضر الصلح على تكرار الاعتداءات والجرائم، وتمنح الجناة فرصة لفرض سلطتهم، وآرائهم بالقوة، في ظل غياب عقاب رادع، فأيًّا كان الفعل سيتم حسم المسألة بمحضر صلح، لا أعرف سنده القانونى، إلا أننى قرأت أن المادة 64 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على الصلح، ولكن في القضايا التجارية، وليس الجنائية.
في كل مرة تنتهى قضايا مماثلة بالصلح، يطفو على السطح سؤال مهم، وهو: أين حق الدولة؟، ألا يمكنها تحريك دعاوى ضد المعتدين، ومعاقبتهم لمنع تكرار هذه الأفعال؟، طبعا يمكن.. لكن هذا لا يحدث فالجهات المسؤولة عن تنفيذ القانون، عادة ما تكون شريكًا، ومحرضًا على إتمام الصلح، ففى تقرير أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2015، رصدت 45 حادثة اعتداء طائفى في الفترة الممتدة من بداية عام 2011 وحتى نهاية 2014، تم التعامل معها عن طريق الجلسات العرفية، وأشار التقرير إلى أن «الناس تلجأ لهذه الجلسات نتيجة ضعف مؤسسات الدولة، وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعى، وحياة وممتلكات المواطنين».
تأتى أحكام الجلسات العرفية في بعض الأحيان مخالفة للدستور، فهى آلية ترسخ دورها على مدار سنوات للهروب من تنفيذ القانون، وفرض الحضور القبلى والعشائرى، لصالح الطرف الأقوى في النزاع، وتشكل هذه الجلسات واحدًا من أهم التحديات أمام إرساء قواعد الدولة المدنية، تتطلب مواجهته تفعيل إنفاذ القانون، ليصبح الوسيلة الوحيدة لحل النزاعات، مع إعلاء مبدأ المواطنة، التي تجعل كل المواطنين سواء أمام القانون.