بقلم - فتحية الدخاخني
موجة من الجدل أثارها اللواء ممدوح شاهين، رئيس جمعية الأورمان، على مواقع التواصل الاجتماعى، بعد تصريحاته أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بأنه «لا يوجد فقراء فى مصر».. ما أثار انتباهى ليس نفى رئيس الأورمان لوجود الفقراء، بل حديثه عن حجم التبرعات التى تتلقاها الجمعية الآن مقارنة بالسنوات السابقة، قائلا: «إن التبرعات زادت بنسبة 300%، من 300 مليون جنيه قبل 3 سنوات إلى ما يقرب من مليار جنيه الآن».
مليار جنيه تبرعات لجمعية واحدة من آلاف الجمعيات الخيرية العاملة فى مصر والمسجلة فى وزارة التضامن الاجتماعى، وكلها يعمل لتخفيف حدة الفقر وتوفير ما يسمى الحياة الكريمة للمصريين من غذاء وملابس ومسكن وعمل وعلاج، وربما يفسر حجم التبرعات للجمعيات الخيرية دعوة الرئيس السيسى فى مارس الماضى لهذه الجمعيات بالوصول إلى الفئات التى تعجز الدولة عن الوصول إليها، وإدارة المستشفيات من خلال تبرعات المصريين التى «تثق فيهم»، كما قال الرئيس.
ويبلغ عدد الجمعيات الأهلية فى مصر، وفقا لتصريحات الدكتورة غادة والى وزيرة التضامن فى منتدى شباب العالم، «48300 جمعية، منها 29 ألف جمعية نشطة، تنفق 12 ألف جمعية منها 10 مليارات جنيه سنويا على العمل المجتمعى».
وتعتمد هذه الجمعيات فى عملها على التبرعات، إما بشكل مباشر من المواطنين، أو من خلال ما يسمى المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR. وخلال الشهر الماضى، شهدت القاهرة 3 مؤتمرات كبيرة لمناقشة المسؤولية الاجتماعية، تكررت فيها الوجوه والموضوعات، وطُرحت أفكار ومشروعات عديدة لخدمة المجتمع، وكان الكل يسعى للترويج لفكرته ومشروعه باعتباره الأفضل لمواجهة الفقر، وكل شركة كانت تتحدث عن برامجها فى المسؤولية، وكيف تتجه نحو الاستدامة وتشكل جمعياتها الخيرية الخاصة التى تنفذ من خلالها مشروعات خدمة المجتمع بدلا من أن تقدم الدعم المالى لجمعية خيرية أخرى.
خطوات ومشروعات مفرحة، وميزانيات ضخمة تعطيك انطباعا بأن الجميع فى مصر يعمل من أجل تحسين حياة الفقراء وانتشالهم من تحت خط الفقر، لكن بعد أن تخرج من قاعات المؤتمر الفخمة وتبتعد عن متحدثيها المنمقين تصطدم بأرض الواقع ومعاناة الفقراء فى الحصول على أبسط احتياجات الحياة، فأين تذهب هذه الأموال، ومن يستفيد من هذه المشروعات؟!.
هذه الأسئلة ليست تشكيكا فى دور المجتمع المدنى بمؤسساته المختلفة من شركات وجمعيات أهلية، بل ربما محاولة لإعادة توحيد جهودهم، فإحدى المشاكل التى تكرر طرحها فى الأحاديث الجانبية فى المؤتمرات الثلاثة كانت مشكلة عدم وجود قواعد بيانات للفئات المستحقة، وبالتالى هناك أفراد يحصلون على الدعم من أكثر من جمعية فى وقت واحد، وآخرون لا يحصلون على شىء، إضافة إلى أن جمع التبرعات اللازمة لتنفيذ مشروعات خدمة المجتمع أصبح نوعا من الاقتصاد الذى يشهد منافسة حامية ومشتعلة بين الجمعيات المختلفة، سعيا وراء جمع أكبر قدر من المال، ولعل ملامح هذه المنافسة تظهر بوضوح خلال شهر رمضان من خلال الإعلانات المتكررة للجمعيات، والتى تتضمن جميعها رسالة واحدة، وهى دعوة المواطنين للتبرع، وكلما أنفقت أكثر على الإعلانات زادت حصتك من كعكة التبرعات، التى يتجمد بعضها فى ودائع وحسابات بنكية لضمان استمرارية الجمعية.
نحن بحاجة إلى قانون موحد للمسؤولية الاجتماعية، وربما نكون بحاجة أكبر لأن تعمل هذه الجمعيات تحت مظلة واحدة بقاعدة بيانات واحدة، وهذا دور وزارة التضامن فى لمّ شمل الجمعيات حتى نعظم الاستفادة من اقتصاد التبرعات.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع