توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس فرح العمدة

  مصر اليوم -

ليس فرح العمدة

بقلم - حلمي النمنم

بعد عدة أيام من تفجر الأوضاع فى غزة، أكتوبر الماضى، تحدث الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى حشد من مؤيديه فى «فلوريدا»، عن العملية التى أمر بها ونفذت يوم ٣ يناير سنة ٢٠٢٠، عملية اغتيال اللواء قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى، فى محيط مطار بغداد الدولى، أى على أرض العراق.

لام ترامب «بيبى»- بنيامين نتنياهو- رئيس وزراء إسرائيل لأنه فى اللحظة الأخيرة تراجع عن المشاركة فى العملية وقال «لا أستطيع، لا أقدر»، رغم أن إسرائيل قامت بدور مهم فى تجهيز وتقديم المعلومات المهمة لتنفيذ العملية التى كان ترامب شديد الحرص عليها، كان رأيه أن سليمانى كان يجب أن يختفى قبل عشرين عامًا.

يمكن القول هنا إن رئيس الوزراء الإسرائيلى كان حريصًا على تجنب الدخول فى صراع مباشر مع إيران مع احتمال جر العراق إلى هذا الصراع باعتبار أن العملية تجرى على أرضه ومن ثم انتهاك لسيادته. وما دام الرئيس الأمريكى يصر على العملية فيقوم بها وحده وليترك إيران فى مواجهة القوة العظمى، بالإضافة إلى أن نتنياهو كان حريصًا على تنمية علاقاته مع دول المنطقة فيبدو شريكًا لا خصمًا وعدوًّا.

بنيامين نتنياهو نفسه الذى جنب حكومته الخوض فى هكذا صراع مع إيران، هو نفسه الذى أمر بتدمير مبنى تابع للقنصلية الإيرانية فى دمشق، أول هذا الشهر، كان داخل المبنى القائد بالحرس الثورى «محمد رضا زاهدى» وعدد من مساعديه، قتلوا جميعًا فى العملية. الواضح أن إسرائيل كان لديها كافة المعلومات عن الموقع وربما من داخله، حيث تم إطلاق الصواريخ على المبنى فور مغادرة القنصل له، باختصار تجنبوا مقتل شخصية دبلوماسية، ثم تم إعلان الكثير من تفاصيل العملية، فيما بدا أنه ضغط على إيران كى تتخذ موقفًا، غير الصبر الاستراتيجى المعتاد ولا من قبيل.. لدينا حق الرد فى التوقيت الذى نحدده. هذه المرة كان المقصود دفع إيران إلى الرد «هنا والآن».

فى علم النفس، طبقًا لإحدى المدارس، يمكنك التحكم فى سلوك شخص ما وتدفعه لاتخاذ موقف والقيام بفعل ما تريده أنت ولم يكن يريده صاحب الفعل نفسه، بأن تضغط عليه بطريقة ما وفى اتجاه محدد، فيكون رد الفعل الذى يتخذه، هو ما تريده أنت.

يحدث ذلك أيضًا، مع بعض الدول والحكام فى أمور عديدة، حدث فى منطقتنا العربية أكثر من مرة، أشهرها على الإطلاق مقابلة السفيرة الأمريكية «جلاسبى» فى بغداد مع الرئيس صدام حسين قبل اجتياح الكويت مباشرة، أغسطس سنة ١٩٩٠، كانت السفيرة تعرف مأزق الرئيس صدام سياسيًا واقتصاديًا، كان خارجًا لتوه من حرب طويلة ومرهقة مع إيران ويشعر بالغبن من الأشقاء فى الخليج، رغم أنهم لم يقصروا فى دعمه، كان مستنفرًا تجاه الكويت خاصة، تعرف السفيرة جيدًا أنه يدرس إمكانية احتلالها، قط يستكشف الموقف الأمريكى، فتدفعه هى حيث يفكر وحيث تريد هى بالقول «ليس لدينا ارتباط أمنى ولا دفاعى مع الكويت»، لم تكن السفيرة تكذب ولم تكن تنطق بالحقيقة كلها.

الواضح أمامنا أن نتنياهو يوم أول إبريل قرر دفع إيران إلى الخروج من منطقة الحرب بالوكالة والاعتماد على الأذرع لتدخل هى بشكل مباشر، صحيح أن إسرائيل فى عهده قامت بعدة عمليات مخابراتية ناجحة داخل إيران، لكن فى عمليات كهذه فإن التصرف الإيرانى سوف يتجه إلى تعليق الجرس فى رقبة عملاء الداخل وخونة النظام فى المقام الأول، ويتم إلقاء القبض على عدد منهم وتقديمهم لمحاكمة عاجلة، لكن فى حالة القنصلية الأمر يختلف جذريًا، هنا عدوان رمزى على السيادة، مبنى القنصلية فى سوريا لكنها تعد أرضًا ايرانية.

عقب تدمير القنصلية تصرفت إسرائيل وكذلك الدبلوماسية الغربية بطريقة تدفع إيران دفعًا إلى حتمية الرد المباشر. ثم بدأت عملية مبالغات فى قدرات إيران وما سوف تقوم به، بات من المستحيل مع هذا الإحماء، حول العالم كله، ألا يكون هناك رد، أمام الجمهور الواسع بالمنطقة، بل أمام الرأى العام الإيرانى نفسه كان لابد من رد مباشر.

الواضح أن نتنياهو مل من اللعب مع الأذرع الإيرانية، بمنطق حارتنا، أراد أن يهش «الصبيان» ويتعامل مع الفتوة أو «المعلم الكبير» بنفسه، وقد تحقق له ما أراد حرفيًا.

هنا لم يعد نتنياهو يخوض حربًا ضد تنظيمات أو مليشيات توصف بالإرهابية، بل يخوض حربًا مع دولة كبرى بالإقليم ومع جيش نظامى كبير، على وشك أن يصبح نوويًا، وحيث إن المسافة بين كل من إيران وإسرائيل ليست صفرًا، بل شاسعة جدًا، فإن الهجوم الإيرانى يقتضى المرور بعدة دول واختراق أجوائها وسيادتها، فإن أقرت هذه الدول وسمحت بالمرور، صارت شريكة فى الاعتداء وإن رفضت تحدثت إسرائيل عن الشركاء أو الحلفاء فى المنطقة، وبدت فى مظهر التواطؤ أمام الذباب الإلكترونى ومحللى المقاهى، هذه المرة عانت المملكة الأردنية الهاشمية ذلك الخيار الصعب.

وانتقل نتنياهو كذلك من خانة تدمير وقتل المدنيين الأبرياء فى غزة ومنع المساعدات الإنسانية عنهم إلى خانة أنه يواجه تهديدًا وجوديًا وعدوانًا عسكريًا فى عقر داره، وبعد أن كانت الإدارة الأمريكية تنظر إليه بامتعاض والحكومة البريطانية تواجه بمطلب عدم تزويد إسرائيل بالسلاح، فجأة راحتا تنسقان معه للدفاع عن إسرائيل، حيث قائد القوات المركزية الأمريكية يهرع إلى «تل أبيب» ويلتقى القادة العسكريين بها لينسق معهم سبل مواجهة الرد الإيرانى، ومجلس الشيوخ الأمريكى يصطف أمام إسرائيل وليس خلفها لإصدار تشريع خاص بها يضمن حمايتها، وبريطانيا تستدعى طائراتها من مالطا إلى العراق لمواجهة المسيرات الإيرانية قبل انطلاقها، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لا يدع الفرصة تفوته.

ويخطئ من يتصور أن ذلك كله أو بعضه كان غائبًا عن صانعى القرار فى الجمهورية الإسلامية، كانوا يعرفون جيدًا ولديهم خطوط اتصال لم تنقطع مع الولايات المتحدة، فى عز أزمة الرهائن بالسفارة الأمريكية فى طهران سنة ١٩٨٠، إدارة الرئيس جيمى كارتر، كانت هناك ترتيبات مع حملة المرشح الجمهورى رونالد ريجان وفى لحظة دخوله البيت الأبيض ومغادرة كارتر تم إطلاق سراح الرهائن، حتى مع إسرائيل كانت هناك دائمًا خطوط تماس وقواعد اللعبة، أسلحة «إيران كونترا»، زمن الحرب مع صدام حسين، معروفة للجميع حول العالم، لمن لا يعلم من الأجيال الجديدة فإن إيران حصلت على سلاح من إسرائيل فى حربها مع العراق.

تصرفت إيران بمنتهى البراجماتية، قررت الرد، لكن أحاطت الإدارة الأمريكية بكل شىء، طلبت الإدارة أن يكون الرد الإيرانى «محسوبًا ومحدودًا»، وأطلق وزير الخارجية الإيرانى تصريحًا ورد فيه نصًا أن الرد سوف يكون محدودًا، المخابرات الأمريكية والبنتاجون كانتا على علم بموعد العملية، تبين أنه لم يكن اجتهادًا منهم بل بإحاطة وتبليغ إيرانى مسبق، عبر أكثر من طرف، بمجرد إطلاق المسيَّرات كان الجميع يعلم كافة التفاصيل، حتى إن مصدرًا عسكريًا إسرائيليًّا صرح، قبل وصول المسيرات، بأن المتفجرات، التى تحملها المسيرات «هزيلة» وأن تصويب الصواريخ ليس دقيقًا.

البعض منا رأى أن العملية برمتها كانت «فرح العمدة» أو بمب العيد فى «السيدة زينب»، والحق أن ذلك تبسيط مخل، العملية تمت كما أرادت لها إيران بالضبط، وحققت منها بعض المكاسب، مثل ازدياد التنسيق مع الإدارة الأمريكية ومع بريطانيا وغيرهما، ثم إنها قالت لهم عمليًا إنها لا تريد إضرار إسرائيل، بل اللعب المحسوب والمنظم، برعاية الأب الأكبر، أى الولايات المتحدة.

نتنياهو الآن مطالب بالرد ويجد مناشدة دولية بأن يكتفى «بالفشل الإيرانى» أو يكون ردًا محدودًا ومتعقلًا، لكن الصقور يرون غير ذلك، ترامب رأى أن الهجوم الإيرانى كان يجب منع حدوثه، جون بلتون يطالب برد إسرائيلى سريع وعنيف، هناك من يتخوفون من أن إيران يمكن أن تكررها بصورة أعنف، ترى ماذا عن أمثال «بن غفير» داخل إسرائيل؟ كل الخيارات أمام نتنياهو.

الهجوم الإيرانى أضعف الأذرع وهمشها ويفتح صفحة جديدة برعاية أمريكية بين إيران وإسرائيل قد تنتهى بتفاهمات، وقد تصبح على المدى البعيد بتأويل أيديولوجى وعقائدى، على الجانبين، سلامًا، وقد يحدث العكس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس فرح العمدة ليس فرح العمدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon