توقيت القاهرة المحلي 11:49:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أول الفشل

  مصر اليوم -

أول الفشل

بقلم - حلمي النمنم

رغم كل شىء، تحقق وبسرعة مطلب المحتجين فى ميدان التحرير وسائر ميادين مصر، وغادر الرئيس مبارك موقعه، أعلن ذلك فى بيان رسمى نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان، بعدها بسنوات قال الرئيس السابق فى شهادته بالمحكمة بإحدى القضايا، حين استدعاه السيد المستشار محمد شرين فهمى.. «النظام يمشى ما فيش مشكلة، المهم نحافظ على الدولة». كررها فى شهادته أكثر من مرة وبدا أنه يلح عليها.

ما كان ممكنا أن يتحقق ذلك دون تماسك كتلة من المصريين قدرت بما يتراوح بين ١٢ و١٤ مليون مصرية ومصرى، تحركوا فى سائر المدن والميادين المصرية يوم الجمعة الشهير (11 فبراير)، ساندهم بقوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى، والى جوار المجلس كل من رئيس الوزراء أحمد شفيق ورئيس المخابرات العامة الذى صار نائبًا للرئيس عمر سليمان، وما كان لهذا الثلاثى أن يتوصلوا إلى هذا الموقف لولا أنهم أدركوا الخطورة على الدولة، ويبدو لى أن المسألة بالنسبة لهم لم تكن مجرد دفع الرئيس إلى التنحى أو إزاحته كما تصور البعض، بقدر ما كان نفس المعنى الذى أكد عليه مبارك، وهو ضرورة الحفاظ على الدولة من الانهيار أو التفتت.

هذه السبيكة القوية التى صنعت لحظة وبيان التخلى، جرى العمل على تفتيتها بسرعة، سواء كان ذلك قصدًا وتخطيطًا أو عفويا، بوعى أو بدون وعى، ومن هنا كان الفشل التام للثورة.

فى الأجواء الثورية وبحماقة وغرور بعض الشباب، جرى تقسيم المصريين إلى عدة فئات، تقسيمًا لا يسعى نحو تحديد الأدوار مثلًا أو توزيع المهام ولكن بهدف التمييز الذى يصل إلى حد العنصرية البغيضة والكراهية المقيتة.. فيها الأعلى والأرفع والأدنى، الذى يحظى بكل شىء، ومن يحرم حتى من حق الحياة إذا أمكن، على النحو التالى:

الأعلى هم «شباب الثوار»، بالتأكيد ليسوا جميعًا، بل فئة منهم وهؤلاء يأمرون فيطاعون، من حقهم كل شىء، بيدهم صك الوطنية يمنحونه من شاءوا ويجردون منه من شاءوا، لا قانون يمنعهم ولا تقاليد عامة تردعهم، إن صدر حكم قضائى لا يرضيهم، إذا لم يعجبهم مسؤول هددوه، تفتح لهم كل الأبواب والمواقع من استديوهات التليفزيون إلى صفحات الجرائد، لا موهبة ولا خبرة.. لا شىء سوى الثورية. هؤلاء اصطنعوا كارت «المليونيات» لترهيب من شاءوا.. ذات مرة كنت فى إحدى الفضائيات ضيفًا وكان مقدم البرنامج شابا وفتاة من هؤلاء الذين فتحت لهم كل الأبواب، ولأنهما بلا خبرة ولا كياسة راحا يتحدثان معًا حول إحدى الوزيرات، فقالت الفتاة «بسيطة.. نعملها مليونية ونقعدها فى البيت وتخرس»، راح المعد يصرخ خشية أن يتسرب الصوت على الهواء، فردت باستخفاف..عادى.

فى مقابل هؤلاء هناك فئة (الأدنين)، أطلق عليهم (الفلول)، هؤلاء يجب أن يُلعنوا وأن يتم تجريسهم، لا يكفى أنهم أبعدوا واختفوا من الساحة، بل لا بد أن يحاكموا وأن يصدر حكم بإعدامهم أو السجن المؤبد وإلا يكون القضاء (فاسدًا)، ثم إنه يجب حرمان الفلول من أى حق إنسانى، ولكن من هو «الفل» وما هى مواصفاته ومن يحدده؟، تساءلت وقتها أين نضع وزير الكهرباء المهندس محمد حسن يونس، الرجل الذى رفض تماما قطع الكهرباء عن ميدان التحرير مساء يوم «موقعة الجمل»، بحس سياسى رفض الرجل، وتصور أنه قد يكون مستهدفا القيام فى الظلام بمذبحة بحق المتواجدين بالميدان؟، أين نضع هذا الرجل وكان بحكم موقعه الوزارى عضوًا بالحزب الوطنى الحاكم، وأين نضع وكيل وزارة الكهرباء الذى التزم بتعليمات وتحذير الوزير ولم يخضع لأى ترهيب؟.

لا توصيف محدد للفلول، ولكن يمكن القول إنهم كل من عملوا فى نظام حسنى مبارك ومن ثم يدخل فيهم عمر سليمان الذى تعرض لمحاولة اغتيال وهو من فاتح مبارك جديًا فى ضرورة أن يغادر نهائيا، فعل ذلك بترتيب واتفاق مع رئيس الوزراء الفريق شفيق والقائد العام للقوات المسلحة. بقدرة بعض الثوار، لنقل فصيل منهم، صار هؤلاء الثلاثة «فلول» يجب الإطاحة بهم. وزير من الوزراء يذهب إلى حفل بدار الأوبرا المصرية هو وزوجته، فيهب «الثوار» لإخراجه من المسرح هو والسيدة قرينته بدعوى أنه من الفلول لا يحق له دخول الأوبرا، فى كسر للتقاليد الأوبرالية حول العالم، رغم أن الرجل يتمتع بتاريخ وطنى يشهد له الجميع وكان من الذين تصدوا فى موقعه للفساد، وقتها ظهرت فى محيط منطقة دار الأوبرا والهناجر والمجلس الأعلى للثقافة وجوه لا تنتمى للحركة الثقافية وليسوا مثقفين، أطلقوا على أنفسهم مسمى «ناشط ثقافى»، كان المقصود تغييب الجميع أمام فتوة النشطاء.

دخل هذه القائمة (الفلول) د.حسام بدراوى الذى قابل الرئيس مبارك وطالبه بضرورة المغادرة والاستجابة لنداء الشارع، وتعرض بسبب ذلك إلى موقف سخيف داخل قصر الاتحادية، هو نفسه من ضغط حتى تم الإفراج عن المهندس وائل غنيم، كانت قائمة الفلول مفتوحة ومطاطة لتضم كل من أغضب شابا بتلميح وليس بتصريح. وكانت النتيجة أن سارع كل من تخوف إلى الصمت والانزواء، وهناك من سعى إلى شراء الصمت وبثمن باهظ فى بعض الحالات.

وهناك فئة أخرى، تمثل الكتلة الحرجة فى أى مجتمع وتحسم ساعة الجد الأزمات والصراعات، وهم من يطلق عليهم فى الأدبيات السياسية والاجتماعية الكلاسيكية «الأغلبية الصامتة»، هؤلاء أطلق عليهم «حزب الكنبة»، ظهرت التسمية بحب وإكبار قبل ١١ فبراير، لكن بعد ذلك صارت التسمية على لسان بعض الغلمان مثار تهكم وتحقير وازدراء، خاصة فى بعض المداخلات الإعلامية، بل فى بعض المظاهرات، إذا لم تتحقق بعض مطالب الشباب لعنوا حزب الكنبة وسخروا وتهكموا، ثم تطور الأمر إلى إهانة الشعب كله.

تمت الدعوة إلى ما أطلق عليه «مليونية الشهيد»، لم تجد الدعوة استجابة من عموم المواطنين، كانت الرغبة العامة تتجه نحو الاستقرار وتميل إلى الهدوء وعودة الحياة إلى مسارها الطبيعى، خاصة أن بعض القطاعات كانت تضررت بالكامل وتعطل العاملون بها (قطاع السياحة تحديدا) وكان من يعملون به يتجاوزون وقتها المليون، بخلاف مهن وحرف عديدة أخرى تقوم على وجود السائحين، كانت معدلات السياحة وقتها قاربت الصفر، بعض المنشآت والمصانع الصغيرة أوشكت على التوقف، هذه المنشآت تتميز بالعمالة الكثيفة، كان القلق العام مبررًا والرغبة فى التوقف عن المليونيات يجب إدراك بواعثها، بل كان الواجب توقعها، لو أن هناك قدرا ضئيلا من الثقافة الاجتماعية والسياسية؛ فضلًا عن ذلك كله كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة كرم الشهداء فعليًا.. مكافأة سخية للأسرة صرفت فوريًا، وإطلاق اسم الشهداء على الشوارع والميادين والمنشآت، بدلا من تفهم موقف عموم المواطنين واحترام رغباتهم ومخاوفهم على لقمة العيش ومسيرة الحياة، رفع بعض الشباب لافتات تقول حرفيا «آسفين يا شهيد، الشعب طلع عبيد»، وعلى هذا النحو كانت الإهانات للملايين الذين لولا دعمهم للشباب فى يناير لسارت الأحداث فى طرق أخرى.

مدار هذا كله، أن روح الأنانية بكل ما تعنيه من رغبة فى الإقصاء والاستبعاد، مع نزوع ساذج إلى التسلط والغطرسة، دفعت بعض الشباب ذوى الحناجر العالية أو المنقادين إلى أطراف خفية، أرادوا نسبة كل ما تحقق إليهم هم، ثم راح أفراد منهم أو من المستثورين، يطلبون المقابل على المائدة أو تحتها. وهناك من تصور أنه بذلك يعجل بتحقيق كل الأهداف ويحافظ على جذوة الثورة المشتعلة، لكن حسن النية ونبل الهدف وحدهما لا يكفيان.

هنا لا بد أن نتذكر وبأسى جهود سعد زغلول، أثناء ثورة ١٩، للحفاظ على كتلة المصريين متماسكة وقوية، لا تنفذ إليها خلافات الزعماء ولا المطالب الجانبية، بعد تشكيل حكومة الشعب تم تحريك المعلمين بالمعاهد الأزهرية للتظاهر من أجل زيادة المرتبات، رد عليهم «هذه ليست مطالب الثورة»، واتهم مسؤولا مقربًا من الملك فؤاد بتحريكهم لإضعاف الثورة، أما عبدالناصر فكان يردد دائما فى الحديث عن ثورة يوليو ٥٢ «الشعب هو القائد وهو المعلم».

الحديث ممتد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أول الفشل أول الفشل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon