توقيت القاهرة المحلي 10:21:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الترويع

  مصر اليوم -

الترويع

بقلم - حلمي النمنم

كان الاعتداء على الكنائس، منذ مارس ٢٠١١، مقصودًا به ترويع الأقباط ودفعهم بعيدًا عن الأفق الوطنى والإنسانى الرحب ليعودوا إلى داخل الكنائس ويتم حصارهم في قوقعة الذمية مجددا، أي لا مواطنة ولا عدالة، وكذلك كانت غارات وغزوات التحرش بحق الفتيات والنساء، في الميادين العامة والشوارع الرئيسية، في عملية انتهاك وتجريس معلنة، كان الهدف ردهن ثانية داخل المنازل لا يبرحنها إلا إلى القبر أو إلى حيث تصدر تعليمات الأمير أو المرشد.

واقع الحال أن ذلك كله استكمال لعملية ترويع شملت المصريين جميعًا، حين وقع ما اصطلح البعض على أنه «كسر الداخلية» مساء ٢٨ يناير ٢٠١١، وصارت «لبانة» على ألسنة بعض المتحذلقين ومدعى الثورية، يتم التلويح بها «يجب كسر الداخلية مرة ثانية»، في معرض القاهرة الدولى للكتاب دورة يناير ٢٠١٢، حاول أحد الناشرين إدخال سيارة محملة بالكتب الساعة ١٢ ظهرًا فرفض رجال الأمن السماح للسيارة بالدخول، كانت إدارة المعرض حددت موعدًا لدخول الكتب لا يتجاوز التاسعة صباحا، قبل دخول الجمهور، ولم يكن قرارًا جديدًا ولا مستحدثا، كان أقرب إلى قاعدة عامة، من أدبيات المعرض، وبدلا من أن يتفهم الناشر ذلك ويدرك أنه حاول اختراق القاعدة العامة دون تنسيق مع إدارة المعرض، استعان بأحد العاملين في جناحه، راح يطوف بمقاهى المعرض وندواته مطالبًا بضرورة «كسر الداخلية» مرة ثانية وثالثة.

مفهوم أن أداء بعض رجال الشرطة في العالم كله يغضب البعض، وقد يتحامق بعضهم ويرتكب جريمة، كما حدث في الولايات المتحدة مع «جورج فلويد» المواطن الأسود الذي قتله شرطى خنقًا في الشارع، جهارًا نهارا، وكما حدث في باريس الأسبوع قبل الماضى مع الصبى، جزائرى الأصل، «نائل»، حيث أطلق رجل الشرطة النار عليه، دون أي مبرر قانونى، مثل هذه التصرفات تثير احتجاجات واسعة من الولايات المتحدة إلى فرنسا وبريطانيا وكندا.

في بلادنا وقبل يناير سنة ٢٠١١، كان أداء وزير الداخلية، وكلماته، رغم قلتها، بها قدر كبير من الغطرسة زاد منها الثقة البالغة به من القيادة السياسية، مع طول بقائه بالمنصب مدة قد يحسده عليها شعراوى جمعة ونبوى إسماعيل، حتى إن بعض المسؤولين في الدولة استشعروا خطورة تلك الحال وعبروا عن امتعاضهم من تلك الغطرسة، ومن طول مدة العمل بقانون الطوارئ، وكان المعتاد أن يحدث في بعض الندوات والمظاهرات هتافات تندد بقانون الطوارئ وتصرفات بعض رجال الشرطة.

هنا يكون المطلوب ليس كسر جهاز الشرطة بأكمله وإزاحته من الوجود في أجهزة الدولة، كما حدث يوم ٢٨ يناير، المطلوب إعمال القانون على الجميع بدءًا برجال الشرطة أنفسهم. والدخول في عملية ضغط سياسى لتغيير الوزير وتغيير سياساته ومناقشة السياسات الأمنية المتبعة، سواء في الندوات الفكرية أو في جلسات برلمانية وحزبية.

تدمير جهاز أو مؤسسة بأكملها ليس عقابا للمسؤول الكبير، بل هو إنهاك للدولة بأكملها وعقاب للمجتمع كله، خاصة إذا كانت مؤسسة الأمن الداخلى.

«تكسيح الداخلية» وفق تعبير قائد قوات الأمن المركزى أمام المحكمة وفتح السجون، أطلق في الشوارع عتاة المجرمين واللصوص، الذين راحوا يروعون ويهددون المواطنين الآمنين.

البيوت والشقق المغلقة في الأطراف مثل السادس من أكتوبر والشروق وغيرهما، تم اقتحامها والاستيلاء عليها ونهب ما بها، حدث ذلك في القاهرة وفى غيرها من المدن، لم يتم استعادتها إلا بعد شهور وجهود أمنية، وفى بعض الحالات دفع المالك مبالغ طائلة للصوص والبلطجية.

وصار على سكان كل عمارة أن يدبروا عملية حراسة لعمارتهم بالتناوب ليلا ونهارا، وجدنا شبانا يحملون عصيًّا ويقفون في مداخل الشوارع الرئيسة يفتشون ركاب الحافلات، تحت مسمى «لجان شعبية»، ينزلون هذا وينزعون بطاقة ذاك وينشلون ثالثا ويستوقفون رابعا بسادية وانحطاط شديدين، رأيت ذلك بعينى في شارع ذاكر حسين بمدينة نصر وفى منطقة الكوربة بمصر الجديدة، وكانت السيارات تسرق علنا، من أمام البيوت والشوارع، في أي وقت، ثم يبادر السارق إلى الاتصال بصاحب السيارة ويحدد المبلغ المطلوب وطريقة الدفع والتسليم، وكم من مضحكات مبكيات وقعت في تلك الأيام. في بعض الحالات لم يكن لدى المواطن ما يدفعه فيسلم أمره إلى الله وقد لا يدفع خشية من أن تتكرر السرقات ومطالبات الدفع وتزداد الإتاوات التي يقررها اللصوص والبلطجية، لم تكن هناك شرطة بالمعنى المعروف، قد يتقدم المواطنون ببلاغات وشكاوى.

في تلك الأثناء أقيمت في الإسكندرية عشرات العمارات بلا ترخيص ودون الالتزام بقواعد المبانى وسلامتها، حاليا باتت تلك العمارات مصدر عديد من الأزمات.

حتى التسول اختلف طابعه في تلك الأيام، منذ عقود بعيدة تحول التسول لدى البعض من الاحتياج الضرورى إلى مهنة وهواية تمارس لذاتها، حتى لو صار المتسول من أصحاب الملايين وبعضهم كذلك بالفعل، ليس في مصر وحدها بل في كثير من البلدان في منطقتنا، لكن في كل الأحوال لا بد أن يمد المتسول يده بضعف أو عاهة مصطنعة، حالة صحية متداعية، وضعية مفبركة، واحتياج قد لا يكون قائمًا بالفعل.

عموما منذ العهد المملوكى حين كانت هناك «طائفة الشحاتين»، كان للتسول أدبياته وشروطه وأدواته، وكان للطائفة شيخ وكانوا يلعبون دورًا سياسيًا وأمنيًا بين حين وآخر؛ استطاع العظيم نجيب محفوظ في روايته «زقاق المدق»، أن يقدم لنا هذا العالم من خلال شخصية «ظيطة.. صانع العاهات»، ورغم ضجر المجتمع من التسول والمتسولين، لكن كان هناك قدر من التراضى بين الطرفين، ورغم أن القانون يؤثم التسول فإن الجهات الرسمية تتغاضى كثيرا بذريعة الاحتياج والظروف الصعبة التي قد يتواجد بها بعض الأفراد في المجتمع.

في تلك الأيام من سنة ١١، تغيرت أدوات وطرق التسول، لم يكن هناك اصطناع للاحتياج ولا للإلحاح بضعف وهوان، بل أمر مباشر بالمبلغ المطلوب، بصوت خشن لا يخلو من نبرة ترويع أو تهديد، وحتى يكون التهديد جادًا لن تجد نفسك بإزاء واحد منهم فقط، بل مجموعة متضامنة، لا مانع أن يكون في يد أحدهم مطواة أو كتر واضح جيدا لك.

وإذا عنّ لك أن ترفض أو تتردد أو حتى تدفع أقل مما أمرت به، نالتك شتائم وبذاءات لم ترد بخاطرك يومًا.

المحزن أن بعض المتحذلقين والمتثاقفين وقتها راحوا يضفون قدرا من الشرعية على كل ذلك بمقولة كوندليزا رايس، لحظة احتلال العراق «أشياء تحدث» في مثل هذه الظروف، جهابذة المتحذلقين فيهم من زعم أنه من العادى حدوث الفوضى وانتشار الجريمة، أثناء الثورات، وزاد البعض الآخر أن اللصوصية موجودة من قبل، راحوا يستشهدون بما تردد عن ثروات بعض المسؤولين، لكن لم يتوقف أحد ليتساءل ما ذنب المواطن أن تسرق شقته التي حصل عليها بعرق وكدح سنوات، لم تأته في برنامج «حظك اليوم» ولا كان فاسدًا.

أما أصحاب العقل الماكر ونظرية المؤامرة، زعموا أنها مبالغات إعلامية لإلهاء الناس عن الثورة، وأن كل الحوادث والجرائم عادية، لا تستحق التوقف عندها ولا أن نشغل أنفسنا بها بالمرة.

ولم يتوقف أحد عند المعنى والتفسير الأهم وهو أن جهاز الأمن (الداخلية) انهار قصدًا وتدبيرًا.

أوائل سنة ٢٠١٤، كنت مدعوًّا لحضور معرض الكتاب في «أربيل» بالعراق، الذي نظمته دار المدى وعلى رأسها السياسى والصحافى والناشر الكبير فخرى كريم، هناك التقيت بوزير داخلية سابق وتحدثنا طويلا، تولى الوزارة أثناء التواجد الأمريكى، كان قبلها سفيرًا لبلاده في واشنطن، وكان شديد الامتنان لسفيرنا في واشنطن «نبيل فهمى» لأنه ساعده وأفاده كثيرا في عمله، لكنه كان عاتبًا على الإعلام العربى كله بسبب عدم التركيز على أن أول قرارات «بول بريمر» في العراق بعد إسقاط الرئيس صدام حسين، سنة ٢٠٠٣، هو حل وزارة الداخلية العراقية، كان ذلك سابقًا لقرار حل الجيش العراقى، وذكر أن حل الداخلية وضع الأمن حرفيًا في يد اللصوص والمجرمين والقتلة المحترفين، حتى إنهم حاولوا قتله حين أراد أن يفرض القانون.

أصعب شىء أن يعيش مجتمع بلا أمن ولا أمان، حتى المجتمعات البدائية لديها نظامها وقواعدها الأمنية، ما تعرض له المواطن والمجتمع المصرى في تلك الأيام، كان بلا قواعد أو نظام أمنى، سادت البلطجة واللصوصية.

المجتمع- والمواطن- الذي يفتقد الحدود الدنيا للأمن، ويعيش الخوف والرعب، لا يمكن أن يتجه إلى البناء ولا يحقق نهوضًا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الترويع الترويع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
  مصر اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon