توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحمد عبد المعطي حجازي.. نحو التسعين

  مصر اليوم -

أحمد عبد المعطي حجازي نحو التسعين

بقلم - حلمي النمنم

قبل حوالى عشرين عاما، تحديدا فى شهر مايو سنة ٢٠٠٥، أجريت حوارا مطولا مع شاعرنا الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، تطرق الحوار إلى تجربته الشعرية وقضايا الحياة الثقافية المثارة حينها، كثير منها مازال قائما إلى يومنا هذا.

كنا وقتها فى ذروة الحديث عن ثنائية أو مفاضلة الرواية أو الشعر أيهما له السبق والأكثر تعبيرًا عن اللحظة؟، صدرت التساؤلات مع صيحة الناقد الراحل د.على الراعى فى مقال له بمجلة «المصور»، أن الرواية صارت هى «ديوان العرب»، بعدها مباشرةً فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الآداب، وتبنى الناقد الكبير د. جابر عصفور مقولة أننا نعيش «زمن الرواية»، الفرحة بجائزة نوبل جعلت الجميع يركزون على كتابة الرواية، جاء ذلك على حساب الفنون الأدبية الأخرى مثل القصة القصيرة والنقد والمقالة الأدبية والمسرح والشعر، كل كاتب يشعر أنه مطالب بأن يثبت حضورًا فى دفتر الرواية، وجدنا كتابا كثرا يغادرون مقاعدهم بين الباحثين والأكاديميين وكذا الشعراء والصحافيون ويذهبون بملء إرادتهم نحو الرواية، ولا أحد ينكر أن فن الرواية يمنح الكاتب قدرًا أكبر من الحرية والتعددية فى تقديم المواقف والأفكار، مع إمكانية التخفى خلف الأبطال والشخوص، وهذا قد لا يكون متاحًا أمام الشاعر أو كاتب المقال، بالتأكيد لا قيد على الكاتب فيما يكتب وطريقته فى التعبير عن نفسه، لكننا بإزاء ظاهرة تستحق التوقف.

ثم أسس د. عصفور بالمجلس الأعلى للثقافة مؤتمر الرواية العربية وكان دوليًا ونجح نجاحًا كبيرا، حيث كان يتم الإعداد له جيدًا، يشارك به كبار النقاد والروائيين العرب، فضلا عن المهتمين بالرواية العربية بين غير العرب.

ثم تدخل صاحب نوبل نجيب محفوظ، مطالبا بضرورة أن يكون هناك مؤتمر مشابه عن الشعر، استجاب د. عصفور وتأسس المؤتمر بالفعل، وضع محفوظ النقاط على الحروف، مهدئا من الحرب الأهلية الثقافية التى كانت مشتعلة،، ذلك أن النثر والشعر ضروريان فى الثقافة العربية وكل الثقافات الإنسانية، فى تراثنا العربى جمع المعرى بين الأمرين، هو صاحب «اللزوميات» إلى جوار عدد من الرسائل النثرية، أشهرها «رسالة الغفران»، التى تأثر بها دانتى فى الكوميديا الإلهية.

فى عصرنا الحديث لدينا أكثر من نموذج لكتاب تميزوا فى الشعر والنثر معًا، يكفينا عباس محمود العقاد، كان شاعرًا وكان ناقدا ولديه رواية وحيدة هى «سارة»، فضلا عن عشرات الكتب الأخرى، هناك كذلك إبراهيم عبد القادر المازنى، يمكن كذلك أن نتوقف أمام إبراهيم ناجى وأحمد زكى أبوشادى، أحمد عبد المعطى حجازى نفسه، عدد كتبه النثرية، بدءًا بكتاب «محمد وهؤلاء»، أكثر من عدد دواوينه الشعرية.

أقر «حجازى»، فى حوارى معه بأن الشعر فى مصر والعالم العربى، ليس فى أفضل أحواله، هناك تراجع بالفعل، لكن الأزمة قادمة، لا محالة، إلى الرواية، ذلك أن النهوض الثقافى يكون عامًا والتراجع كذلك، كان حزينا ومتألما وهو يشرح المشهد الثقافى كما يراه.

وعنده أن القرن التاسع عشر كان فى أوروبا قرن ازدهار الرواية وهو كذلك قرن ازدهار الشعر. كان الحوار الذى نشر بمجلة «المصور»، وكان غلافًا لها بمناسبة مرور نصف قرن على أول قصيدة تنشر للأستاذ حجازى، نشرت على صفحات مجلة «الرسالة الجديدة»، كانت هذه المجلة تأسست لتكون عوضًا عن مجلة «الرسالة» التى كان يصدرها أحمد حسن الزيات، وقد أوقف الزيات إصدارها، سنة ١٩٥٣، عقب توقف وزارة المعارف عن اقتناء النسخ التى كانت تشتريها كل عدد.

فى السنة نفسها توقفت أيضا مجلة الثقافة، التى كانت تصدرها لجنة التأليف والترجمة والنشر، كان أحمد أمين يترأس تحريرها، كما توقفت مجلة الكتاب وكانت تصدرها دار المعارف برئاسة تحرير الكاتب والباحث عادل الغضبان.

ويبدو أن الدولة انتبهت إلى خطورة توقف تلك المطبوعات وهكذا صدرت المجلة البديلة، تولى يوسف السباعى رئاسة تحرير «الرسالة الجديدة» وقد منح الشبان فرصة جيدة لينشروا ما لديهم، مثلًا نشرت بها ثلاثية نجيب محفوظ، عبر حلقات متتالية، ومن بين هؤلاء الشباب كان ابن العشرين أحمد عبد المعطى حجازى، الذى انطلق بعدها مع رفيق دربه صلاح عبد الصبور فى تقديم تجربتهما فى تجديد القصيدة، فيما اصطلح على تسميته «الشعر الحر». كانت تجربتهما تعبيرا عن تيار ظهر فى الثقافة المصرية والعربية، فى العراق كانت هناك الشاعرة الرائدة نازك الملائكة، كان ذلك التيار تعبيرا عن رغبة مجتمعية أكبر فى التحرر على كافة المستويات، بدءا بالتحرر الوطنى ذاته.

كان حجازى يكتب الشعر قبل ذلك وله قصائد جريئة جدا، لم تنشر، استمعت منه لبعضها فى حوار سنة ٢٠٠٥، لكن شهادة ميلاده الشعرية كتبت عبر قصيدة «الرسالة الجديدة»، أتمنى من الزملاء فى مجلة «إبداع» أن يعيدوا نشرها.

فى ذلك الزمان كان يكفى أن تنشر قصيدة أو مقالا فى مجلة أو مطبوعة على هذا النحو، فتفتح لك الدنيا ذراعيها، وهذا ما حدث مع الشاعر الشاب، بعدها صدر ديوانه الأول «مدينة بلا قلب»، سنة ٥٨، ثم تلاه ديوانه «أوراس» وتوالت أعماله الشعرية، كما رحب به الكبير «إحسان عبد القدوس» ليكون ضمن فريق وأسرة مجلة «روز اليوسف»، ويتفهم إحسان أنه بإزاء مبدع متمرد، فلا يرهقه بمسؤولية العمل اليومى.

طوال هذه الرحلة لم يتوقف حجازى عن التفاعل الإيجابى والجدل فى حياتنا الثقافية، اختلافا واتفاقا، بعض هذا الجدل كان صاخبًا وعكس حيوية ثقافية، أختلف بضراوة مع الأستاذ العقاد، حول موقف الأخير من تجربة حجازى وأبناء جيله، كان رأى العقاد أن ما يكتبه صلاح وحجازى جيد، لكنه لا يعتبر شعرًا، بل نثرا، الشعر لديه لا يكون دون الالتزام بالقافية، باختصار القصيدة هى «العمودية» فقط، كان العقاد حادًا وصارما فى معاركه النقدية.

هجا حجازى، العقاد فى قصيدة شهيرة، اعتذر عن حدتها وقسوتها فيما بعد، أكثر من مرة.

وهو شيخ جليل، دار التاريخ دورته، اختلف حجازى أيضا مع الشبان الذين يكتبون قصيدة النثر، ورغم أنهم يقدرون تجربته وتاريخه، كان بعضهم غاية فى القسوة معه وتحمل ذلك، غاضبا حينا ومتفهما حينًا آخر، وفى العقود الأخيرة شغل بكتابة مقال أسبوعى فى مجلة «المصور»، ثم فى «الأهرام» إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى مقال شهرى فى مجلة «إبداع».

يمتلك حجازى موقفا صارمًا تجاه الجماعات الظلامية، خاصة بعد الاغتيال المشين للدكتور فرج فودة، صيف سنة ١٩٩٣، ثم محاولة اغتيال نجيب محفوظ، أكتوبر سنة ١٩٩٤، لذا لم يكن غريبًا أن اسمه كان على قوائم الاغتيالات وقوائم دعاوى التفريق فى المحاكم.

فى كل كتاباته ومواقفه، لم تتراجع روحه الوطنية وإيمانه بحق هذا الوطن فى النهوض والتقدم، وأكبر مساحة من الحرية ومن التحرر السياسى والاجتماعى والثقافى والعدل بمعناه الإنسانى الواسع.

لم يكن حجازى طوال رحلته نسخة مكررة من بداياته، كان فى تطور وتجدد دائم، أيد وتفاءل بثورة يوليو والتجربة الناصرية، غير أنه مثل الكثيرين أعاد النظر فى عدة أمور، خاصة بعد هزيمة يونيو ٦٧، خاصة فى موقف التجربة من قضية الديمقراطية والحريات العامة. فى السبعينيات غادر إلى باريس حيث قام بتدريس الأدب العربى فى إحدى جامعاتها.

رحلة طويلة وممتدة منذ منتصف الخمسينيات، فى العام القادم يتم حجازى عامه التسعين، وتمر سبعون سنة على تواجده فى الحياة الثقافية، وأظن أن هذه المناسبة تستحق منا احتفاء خاصًا، يليق بصاحب التجربة وبثقافتنا وحياتنا الإبداعية.

مازال الرجل يكتب بانتظام ويواظب على متابعة بيت الشعر، يشارك بانتظام فى الصالون الشهرى للبيت، الذى يقع خلف الجامع الأزهر، متوكئا على عصاه، شامخا ومحتفظا بكبريائه.

تسعون عاما تستحق التقدير والاحتفاء، نحن نزرف الدمع الغزير على الراحلين لحظة فقدهم ونجيد كذلك القسوة عليهم وإنكارهم أحياء، نحتاج قدرًا من الإنصاف معهم فى حياتهم وهم بيننا، تكريما للإنجاز وللدور.

قد يفهم البعض أن المطلوب هو جلسة تصفيق وكلمات ودودة ثم شهادة تقدير، الاحتفاء الحقيقى هو دراسة التجربة والمسيرة الطويلة فى وجود صاحبها، نستمع منه وإليه ويسمعنا.

أتمنى أن تهتم الجهات المعنية بالثقافة والإبداع فى بلادنا بدءا من وزارة الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة تحديدا، وكذا الهيئة العامة للكتاب، بهذه المناسبة ويبدأ الإعداد لها من الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد عبد المعطي حجازي نحو التسعين أحمد عبد المعطي حجازي نحو التسعين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon